سوء الظن من الرذائل الأخلاقية الشنيعة التي تُسبب إثارة النعرات والفتن بين الناس، فهو مثل النار التي تأكل قلب الإنسان من الداخل فيتخلخل استقراره، وتتمزق علاقته مع مجتمعه، فسوء الظن يهدم استقرار العائلات ويجعل الثقة معدومة بين الناس، وهذا بدوره يجرّ تبعاتٍ سلبية كثيرة، فيصبح التعاون بين الناس ضربًا من الخيال، وينعدم التفاعل بين أفراد المجتمع، ويحدث شرخ كبير في المفاهيم الإنسانية، فسوء الظن يزرع في النفس الريبة والشك، ويسرق الراحة من نفس صاحبه، إذ إنَّ الشخص الذي يُسيء الظن ينعدم شعور الراحة لديه، ويشعر أنَّ الجميع يُخطّطون للإيقاع به، لهذا يجب على الإنسان أن يتبيّن جيدًا قبل أن يُسيء الظن بالآخرين سواء من موقف أو من كلمة، فسوء الظن ينطلق مثل النار في الهشيم، وفي هذا قال الإمام علي -كرم الله وجهه-: "لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَة خَرَجَتْ مِنْ أَحَد سُوءاً، وأَنتَ تَجِدُ لَهـا فِي الخَيرِ مُحتَمَلاً".
مُسيء الظن شخصٌ يعيش في بوتقة مغلقة، وهو في العادة كائن انعزالي يُعاني غربة نفسية مريرة عن نفسه وعن الآخرين، لأنه دومًا يتوقع أن الآخرين يُضمرون له الشر ويتآمرون عليه، فيظلّ في حالة قلق وتأهبٍ للردّ على أي هجومٍ متوقع، وكأنه يجلس فوق جمر، وهذا يُشعره بالتعب ويُسبب له القلق والتشتت وعدم التركيز، ولهذا أكّد الإسلام على ضرورة اجتناب سوء الظن، والابتعاد عن جميع الأسباب التي تؤدي إليه، وقد قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ ) [سورة الحجرات: آية 12].
بعض الناس يُسِيئُونَ الظن بالله تعالى، ويتوقعون حصول الأقدار السيئة فقط، ولا يوقنون بإجابة الدعاء، وهذه أقبح أنواع سوء الظن، لأنه يُشكل انحرافًا فكريًا وتعديًا صارخًا على أدب التعامل مع القدر الذي كتبه الله، وعلى العكس منه فإنَّ حُسن الظن بالآخرين يُورث المحبة في القلوب، ويجعل الشخص متفائلًا مرحًا مقبلًا على الحياة بطاقة إيجابية كبيرة، لأنَّ سوءَ الظن يمنع الإنسان من التركيز الكامل، أما حُسن الظن فإنَّه يُشعر صاحبه بالراحة والطمأنينة والتوكل على الله، وعدم القلق بشأن ما يُضمره الآخرون من نوايا أو ما يقصدون من كلمات، فصاحب الظن الحسن يتوقع الخير دائمًا ويناله غالبًا.