المعجزة الكبرى
يعتبر الإنسان معجزة الله الكبرى على هذه الأرض؛ فهو الكائن الحيّ الذي يمتلك مزايا هائلة لا يحصل عليها أيّ كائنٍ آخر في الكون كله؛ فهو خليفة الله تعالى، وهو الكائن المكرم بنعمة العقل، والأهم أنّه الكائن الذي نفخ الله فيه من روحه.
دعا الله تعالى الإنسان إلى التفكر في أحواله، ومآلاته، وإلى التأمل في نفسه. قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)؛ فعلمية التفكر هذه تعود على الإنسان بنفع كبير لا يمكن وصفه، وبسبب التطوّر التقني الذي شهدته الإنسانية اليوم، فقد بات التفكّر أكثر يسراً، وجمالاً؛ نظراً لإمكانية رؤية الجسم من الداخل، والتعرف على أجزائه، ووظائفه، وعلى العجائب التي أودعها الله تعالى فيه.
فوائد التفكر في خلق الإنسان
إنّ دعوة الإنسان ليتفكر في نفسه لم تكن يوماً ما دعوةً عبثية، أو بقصد التسلية، بل هي تدخل في لبِّ وظيفة الإنسان على هذه الأرض كعابد لله تعالى، وكخليفة له؛ فهذا التفكر من شأنه أن يوصل الإنسان إلى الله، خالقه؛ الذي صوَّره على أحسن صورة، وأن يدخل اليقين إلى النفس، وكم من أشخاص اهتدوا سبيل الرشاد نتيجةً لمثل هذا النشاط الراقي.
إلى جانب ذلك، فإن تفكّر الإنسان في نفسه من شأنه أن يوصله إلى حلول لمشاكله، وإلى سبل لإنهاء المعاناة الناتجة عن بعض الأمراض التي تصيب جسمه وتتوغل فيه، الأمر الذي يُطوّر الأوضاع الصحية بشكل عام، وما التقدم الرهيب الذي شهدته الحقول الطبية في عصرنا الحالي إلا ثمرة التفكر الذي دام لعقود، وعقود.
أيضاً، فإنّ مشاكل الإنسان لا تقتصر على الأمراض الجسمانية وحدها، فهناك أمراض نفسية، وأخرى مجتمعية، تتعلق بالسلوكات الإنسانية، والأحوال النفسية لبني آدم، ومن هنا فإن التفكر قد يدخل في مثل هذه المجالات أيضاً، فيساعد على إيجاد الحلول المبتكرة لمشكلاتها.
ابتذال التعامل مع جسم الإنسان
كثرة تعامل الإنسان مع الأشياء من حوله تفقده معناها، وقيمتها الحقيقية، الأمر الذي يجعل كلّ شيء مبتذل في نظر الإنسان، ومن هنا فإنّ مشكلة الابتذال هذه تُعتبر من أخطر المشكلاتِ التي تواجه الإنسان؛ نظراً لتعدد الآثار السلبية التي قد تترتب عليها.
لو تأمّلنا في أحوال كثيرٍ من الناس، لوجدنا أن طريقة تعاملهم مع أجسادهم صارت مبتذلةً إلى حدٍّ بعيد، فصارت عملية مضغ الطعام وهضمه خارج دائرة تفكير الكثيرين، ومثلها عمليات: الإخراج، والإبصار، والسمع، والشم، وغيرها، ولا شكّ أنّ كل هذه العمليات هي من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، وأن الأولى به أن يَشكره وحده عليها، وأن لا ينظر إليها نظرةً اعتيادية؛ فاختلال عضوٍ واحد يمكن أن يُعوَّض، ولكن بملء غرفةٍ من الأجهزة. وهنا يأتي دور المداومة على التفكّر والتأمّل في خلق الإنسان بشكل خاص، والكون بشكل عام، ومن ثمّ شكر الخالق على نعمه؛ فبالشكر تدوم النعم.