عيد الأم في فلسطين
الأم الفلسطينية داخل الأرض الفلسطينيّة تختلف عن جميع الأمهات في سائر الأرض بتضحياتها التي أذهلت بها الكون، فكانت تلك التضحيات تُسجل على مدى اللحظات والأيام، فقد كانت تلك الأم مثالاً للصمود، والتحدي، والصبر، وكان ناتج هذا الصبر والتضحية الثبات حتى يومنا هذا في الأرض الفلسطينيّة، والحفاظ على الهوية من الضياع، جراء الممارسات الصهيونية للجيش الإسرائيلي الذي يحاول بشتّى طرقه البشعة تفريغ الأرض من سكانها العرب.
قدمت الأم الفلسطينيّة على مدى عقودٍ طويلة الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، حيث كانت تتلقى الأمر بثبات وشجاعة وصمود، حيث نراها هنا تودع ابنها الشهيد بزغاريد الزفاف، وتَفخر بأنّها قدّمت بطلاً لأرضها، ونراها من ناحيةٍ أخرى تُضمد جراح من أصيب، وإن لم تجد ما تضمد به مزّقت من ثيابها، ولا تنام لها عين حتى يبرأ الجريح.
نراها تقف مُتحديةً الجنود بقوّة الرجال أثناء محاولاتهم اعتقال أحد أبنائها، وكانت تنجح في الكثير من الحالات في تخليص أبنائها من الأسر، وإن حدث وتم أسرهم، نراها لا تعبأ من محاولة كسر القيود التي يفرضها العدو في محاولتها لزيارة ابنها المعتقل، فتُكرّر تلك المحاولات بدون كللٍ أو ملل حتى تنجح في زيارته، ومحاولة تثبيته في أسره وتلبية احتياجاته بأيّ شكلٍ كان.
ألقاب الأم الفلسطينيّة
(نبراس الأمة) و(تاج فلسطين) هذه المُسميّات أُطلقت على الأم الفلسطينيّة الصابرة والثائرة، فهي تحمل معنى مُغاير للأم في غير أرض، وهي بحد ذاتها حكاية وأسطورة ونموذج حي لكمّ المعاناة الذي تعرضت لها، فهي أم الشهداء، تخفي لوعتها وألمها بفقدان ابنها وتتابع من أجل وهب الحياة للآخرين، وهي أم الجريح الذي تتمنّى أن تحمل عنه ألمه وجراحه مخفيةً هذا الشعور حيث تقف إلى جانب الجريح بصلابة، حتى يبرأ من جراحه ويعود للحياة من جديد.
هي أم الأسير، وهي تعلم علم اليقين بأن الأسر في معتقلات العدو هو موت متجدد للأسير في كل يوم ولحظة، بالرغم من هذا تزيل جميع العراقيل بقوة وتحدٍ، وتشدّ من أزر ابنها الأسير لمقاومة هذا الموت المتجدد بقوة وصمود، وهي أم المُطارَد، لا تعلم هل هو حيٌّ أم اغتالته يد المغتصب، بالرغم من هذا تحيا وهي تمنّي النفس بلقاء ابنها المشرّد هنا وهناك.
شكل عيد الأم في فلسطين
كانت تضحيات الأم الفلسطينيّة تحمل عناوين مختلفة تصبّ جميعها في بند الصمود ومقاومة الاحتلال، وهذا ما يراه جميع الكون عبر شاشات الإعلام التي لا تظهر إلا جزءاً يسيراً من تلك التضحيات والمعاناة التي تقع على كاهل تلك الأم، والتي تتجدّد في كل يوم لتشكّل عيداً يوميّاً للأم في فلسطين.
لذا كان في فلسطين كل يومٍ هو للأم، ولا يقتصر يومها على الحادي والعشرين من آذار من كل عام كما يحتفي به الوطن العربي، فلولا تلك الأم لما بقي اسم فلسطين يتردد حتى يومنا هذا، لذا كانت أهلاً لأن يحتفى بتلك الأم في كلّ أيام العام.