الهجرة إلى الحبشة
بعد أن تعرّض المسلمون إلى الأذى والتّنكيل في مكة المكرّمة، أذن لهم النّبي - عليه الصلاة والسّلام - بالهجرة إلى الحبشة، فقد كانت الحبشة تُحكم من قِبَل ملكٍ عادلٍ اسمه النّجاشي، وقد كان النّجاشي يُحيط نفسه بجماعةٍ من القساوسة والرّهبان الذين عندهم علمُ الكتاب، وقد عَلِم أنّه سوف يبعث في آخر الزّمان نبيٌّ يكونُ خاتم النّبيّين، وستكون رسالته هي خاتمة الرسالات السّماوية.
أخبر النّبي الكريم أصحابه أنّ النّجاشي ملكٌ لا يُظلم عندَهُ أحد، ورخّص لهم بالهجرة إلى تلك البلاد، فكانت هناك هجرتان: هجرةٌ أولى وهجرةٌ ثانية، وكانت الهجرةُ على شكل أفواجٍ من الأُسر المسلمة، فمن هي أوّل امرأة هاجرت في الإسلام؟
أوّل امرأة هاجرت إلى الحبشة
كانت السيدة رُقيّة بنت النّبي - عليه الصّلاة والسّلام - أوّل من هاجر من النّساء في الإسلام؛ حيث توجهت مع زوجها الصحابي الجليل عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - إلى بلاد الحبشة، ثمّ رجعتْ بعد ذلك وهاجرت مع من هاجر من المسلمين إلى المدينة المنوّرة.
أوّل امرأة هاجرت إلى المدينة المنوّرة
عُرفت من الصحابيّات الجليلات أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي معيط الأمويّة كأوّلِ مهاجرةٍ إلى المدينةِ المنوّرة بعد هجرة النّبي - عليه الصّلاة والسّلام - إليها، فقد شرح الله صدر أمّ كلثوم للإسلام والدّعوة فبايعت النّبي الكريم في مكة المكرّمة قبل هجرته إلى المدينة، ولم تُعلنْ أمّ كلثومٍ إسلامها خوفاً من بطش عشيرتها، وقد رأت هجرة المسلمين إلى الحبشة وما حدث للإسلام فيها من تَمكين.
عندما عَقد النّبي - عليه الصلاة والسّلام - هدنةً بينه وبين المشركين عُرفتْ بصلح الحديبيّة كان من ضمن نصوص الاتفاقيّة أنَّ منْ خَرج منْ قريشٍ مُسلماً إلى المدينة فإنّ على المسلمين رَدّه، وإنّ من خرج من المدينة إلى مكة المكرّمة لم يَرُدّه المشركون، وفي هذه اللّحظات فكّرتْ أم كلثوم بالهجرة فأعدّتْ عُدّتها وانطلقت خِفيةً عن قومها ليس لها رَفيقٌ إلاّ الله تعالى في سفرها.
قبلَ أنْ تصل أمّ كلثوم إلى المدينة المنوّرة كان أخواها الوليد وعمارة قد سبقاها إلى المدينة المنوّرة؛ حيث التقيا النّبي - عليه الصلاة والسّلام - وطلبا منه أنْ يبعث معهما أختهما أمّ كلثوم التزاماً بالعقد الذي بينهم وبين المسلمين، فنزلت الآيات الكريمة في سورة التّحريم فرجاً للمؤمنات المهاجرات؛ حيث يمتحن النبيّ صدق إيمانهنّ وهجرتهن إلى الله تعالى، فإنْ حَلفن على أنّهن لم يخرجن إلاّ حبّاً الله والإسلام لم يَجز للمسلمين إرجاعهنّ إلى المشركين.
تزوّجت أمّ كلثوم رضي الله عنها من الصّحابي الجليل زيد بن حارثة، ثمّ بعد وفاته تزوّجتْ الزّبير بن العوام، ثمّ من عبد الرحمن بن عوف، وتوفيت سنة أربعين للهجرة.