فرعون
فرعون هو واحد من أشهر طغاة الزمان والإنسانية على الإطلاق وهو متلازم مع نبي الله تعالى ورسوله موسى والذي يعتبر واحداً من أعظم رسل الله تعالى وأشهرهم على الإطلاق، وهو النبي الذي جاء بالتوراة وهو نبي اليهود، إلا أن تعاليمه كما تعاليم باقي الرسل والأنبياء وما جاؤوا به من الحكمة والموعظة الحسنة قد سلبت ألباب أتباع الديانات السماوية، فقد أصبح فرعون وموسى من المتلازمات، فموسى مثل منهج الحق والخير والعدل وفرعون مثل منهج الشر والطغيان، فهما من ألدّ الأعداء على الإطلاق وقصتهما أصبحت معروفة للقاصي والداني، فقد ذكرت الديانات المختلفة قصة فرعون مع نبي الله تعالى موسى وكيف أنه عاداه فالخطوط الرئيسية لهذه القصة العظيمة تشترك كافة الديانات بها على الرغم من وجود بعض الاختلافات في التفاصيل بين رواية ورواية أخرى.
موسى عليه السلام
يعود النبي موسى عليه السلام إلى إبراهيم في نسبه، فهو من بني إسرائيل الذين دخلوا إلى مصر بعد مجيء النبي يوسف بن إسحاق إليها، وقد كان النبي يوسف رجلاً متفقاً عليه بين الجميع، وقد أحبه المصريون قبل أن يحبه الآخرون مع أنه قدم إليهم من خارج مصر حيث إنّه قدم إليهم من الأرض المباركة فلسطين، وقد أورد كتاب الله تعالى قصة النبي يوسف – عليه السلام – في سورة كاملة أسماها باسمه. وبدأت أحوال بني إسرائيل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، إلى ان استعبدهم المصريون وأذلوهم، هنا كان لا بد من حل إلهي يخلصهم مما هم فيه من ذلة وهوان.
قصة موت فرعون
أمر الفرعون بقتل كافة المواليد الذكور حتى يتخلص منهم نهائياً، ففي ظل هذه الظروف ولد نبي الله تعالى ورسوله صاحب الشريعة موسى – عليه السلام – حيث خافت أمه عليه من أن يلاقي نفس مصير أبناء بني إسرائيل المولودين حديثاً، فألقى الله تعالى في قلبها أن تضعه في سلة من قش وتلقيه في اليم، وهذا ما قد كان، فبعد أن الفت أم موسى بابنها في اليم وبأمر الله تعالى ذهب الطفل الرضيع إلى قصر فرعون، وبقدرة الله تعالى التقطته سيدة القصر آسيا زوجة فرعون عدو موسى وعدو أخيه هارون في المستقبل، فتعلقت به تعلقاً لا حدود له وأدخلته إلى قصرها وقصر زوجها الطاغية. ومن هنا تربى هذا النبي الكريم في قصر عدوه اللدود فرعون، وهكذا قضى الله تعالى وأمر، وبفضل الله تعالى رفض موسى الرضيع أن يرضع من كل المرضعات اللواتي أتت بهنًّ آسيا لموسى، إلى أن جاءت امه الحقيقية وقبل أن يرضع منها وهكذا رد الله تعالى موسى إليها وأنقذه من بطش فرعون بل وجعله يتربى في بيته وقصره وتحت عينيه، فهذا الطفل الذي يربيه فرعون اليوم سيغدو القائد العظيم والذي سيقضي على فرعون ومن تبعه من الطغاة المتجبرين وسيجعله الله تعالى بحكمته وقدرته آية للعالمين.
وبعد أن كبر موسى – عليه السلام – وبعد أن حدثت معه العديد من الأحداث وبعد أن خرج من مصر لفترة طويلة وفي أثناء عودته إليها أوحى الله تعالى إلى موسى وحمّله أمانة الرسالة وأيده بأخيه هارون، فذهب الأخوان موسى وهارون إلى فرعون ليدعواه إلى الإيمان بالله تعالى، لكنه رفض ذلك فعرض عليه موسى الآيات المعجزات وهي العصى التي يحولها الله تعالى إلى حية واليد التي يضمها إلى جناحه فتستحيل إلى بيضاء من غير أن يصيبها مرض، عندها تواجه موسى مع سحرة فرعون فغلب موسى لأنّ ما أتى به ليس سحراً بل حقيقة، أيضاً ومن شدة إنكار فرعون وقبل المواجهة الأخيرة سلّط الله تعالى على فرعون وقومه العديد من العذابات والضربات المتتالية والمتتابعة ولكن فرعون استمر في عناده واستكباره، إلى أن جاءت النهاية وهي أن الله تعالى أمر موسى بأن يخرج بقومه من أرض مصر، فتبعه فرعون بجنوده، وعندما وصل موسى وقومه إلى البحر، أمر الله تعالى موسى بأن يضرب البحر فانقسم إلى قسمين عظيمين، فسار فيه بنو إسرائيل إلى أن خرجوا من الجهة الأخرى ولما تبعهم فرعون وجنده من نفس الطريق أطبق الله تعالى عليهم البحر فماتوا جميعاً غرقاً، ولما كان فرعون في لحظات الموت، بدأ يصرخ أنه آمن برب موسى ولكن الله تعالى لم يقبل منه دخوله في الدين الحق لأنه كان في لحظات الموت، وأنجى الله تعالى فرعون بجسده وأبقاه حتى يكون عبرة وآية لكل من سيأتي لاحقاً.
من هو فرعون موسى
هناك العديد من الأقوال التي تقول أن رمسيس الثاني هو نفسه فرعون موسى، وقد اعتمد في هذا القول على العهد القديم وما جاء فيه من أخبار عن موسى – عليه السلام -، حيث إنّه وبالرجوع إلى الأزمنة التي جاءت به ووردت فيه، ظن الكثيرون أن رمسيس الثاني هو نفسه فرعون النبي موسى، ولقد اعتمدوا في آرائهم هذه على أن السنة التي نصب فيها رمسيس الثاني على العرش هي 1279 قبل الميلاد، أما العلماء المختصون في المصريات فقد شككوا في صحة هذه الفرضية والتي تقول أن فرعون موسى هو ذاته رمسيس الثاني، وذلك بناءً على فحوصات أجروها على المومياء الخاصة بفرعون موسى، حيث إنّه وبعد تحليلها ودراستها لم يكن هناك أي ما يدل على أن رمسيس الثاني قد مات غرقاً. في حين ذهب موريس بوكاي صاحب كتاب التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث إلى أن مرنبتاح ابن رمسيس الثاني هو فرعون موسى حيث إنّه أخذ برواية الإنجيل والتوراة والتي تقول أن هناك فرعونين كانا في زمن موسى الأول وهو رمسيس الذي قام بتربيته والثاني هو مرنبتاح وهو ما يطلق عليه فرعون الخروج واستدل بالعديد من الآثار التاريخية المصرية، وهناك العديد من الفرضيات الأخرى التوي وضعت لتحديد شخصية فرعون موسى، إلا أن الآراء كثيرة جداً والموضوع معقد.
ومن اللافت أن الآثار المصرية القديمة قد تكتمت بشكل كبير جداً على هذا الموضوع مع أنه حق وقد حدث فعلاً وبإجماع الكتب السماوية جميعها، حتى لو اختلفت في التفاصيل كما قلنا، وقد وضعت العديد من التفسيرات لتفسير هذا الأمر والتي من ضمنها أنّ الفراعنة المصريون القدماء كانوا ينظرون إلى هذا الأمر على أنه مجرد فرار لمجموعة عبيدهم فقط، فلم يكونوا يكترثوا بهم بالإضافة إلى أن هذه الأحداث كانت تدون على الآثار من وجهة نظر الفرعون الذي عاصر الأحداث فالأمر لم يكن فيه حرية كما هو اليوم، فلم يكتب أو يدون أي شيء مخالف لرغبة الفرعون، وهي على كل الأحوال احتمالات منطقية جداً إلّا أنّ الموضوع لم يحسم بشكل نهائي وهو قابل للبحث، وهو موضوع مطروح للنقاش حتى يومنا الحالي. إلّا أنّ العبرة تؤخذ بغض النظر عن هوية الفرعون الأصلية، فقصة فرعون مع موسى هي قصة الاستبداد والظلم والطغيان القابلة لأن تستفيد البشرية منها في كل زمان ومكان، ففي فرعون صفات الظالم المستبد الطاغية التي على استعداد لأن تدمر كل من حولها في سبيل بقائها، وفي موسى أيقونة على مر الزمان لمن يقف في وجه الطغاة ومن يوقفهم عند حدودهم بكل صبر وشجاعة.