مجمع البحرين في القرآن
وردت الجملة (مجمع البحرين) في القرآن الكريم في رحلة سيّدنا موسى عليه السلام للبحث عن شخص يُدعى الخضر عليه السلام (اختلف العلماء في كونه نبيّاً أوعبداً صالح أو ولياً من أولياء الله)، وسبب بحثه عنه أمرٌ من الله نزل على سيّدنا موسى عندما كان يخطب ببني إسرائيل، فسأله أحد الحضور فيما إذا كان هناك من هو أعلم منه (يعني سيّدنا موسى)، فأجاب موسى عليه السلام:لا، حسب ظنّه بأنّ لا أحد أعلم منه.
أوحى الله تعالى لسيّدنا موسى بأنّ عبداً صالحاً يدعى الخضر لديه من العلم ما هو أكثر من موسى عليه السلام - بعض العلماء ذكروا أنّ الخضر لم يكن أعلم من سيّدنا موسى بشكل مطلق، إنّما أعلم منه في علم الحقيقة وسيّدنا موسى أعلم منه في علم الشّريعة استناداً على قول الخضر كما جاء في الصّحيحين: إنك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه- وأخبره أنّه في منطقة تسمّى بمجمع البحرين، وأنّ العلامة التي ستدلّه على مكانه هي فقد الحوت -سمكة أمره الله أن يأخذها في مكتل-.
انطلق سيّدنا موسى مع فتاه يوشع بن نون، وبيّن لنا الله تعالى في القرآن حرص سيّدنا موسى على الوصول إلى هذا الرجل الصّالح والتعلّم منه فقال تعالى" وَإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً؛ أي إنّ سيّدنا موسى عليه السّلام قال مُصرّاً بأنّه لن يبرح حتى يصل أو أنّه سيمضي السنين (الحقب) باحثاً عنه.
بعد انطلاق سيّدنا موسى وفتاه في البحر، وجدا صخرة فرقد موسى عليه السلام وفتاه عندها، وفي أثناء رقودهما اضطرب الحوت في المكتل حتى خرج وسقط في الماء - قال بعض العلماء إنّه سقط في الماء دون أن تعود إليه الحياة، وقال البعض الآخر إنّ الله أعاد إليه الحياة فعاد إلى الماء-، وبعد إفاقتهما نسي فتى سيّدنا موسى أن يخبره بفقدان الحوت، وتابعا مسيرهما حتى تعبا، فقال عليه السلام كما ورد في القرآن {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}، فتذّكر فتاه حينها { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا}، وكان ذلك ما كان يبتغيه سيّدنا موسى، فعادا إلى ذلك المكان والذي هو نفسه مجمع البحرين، ووجدا الخضر عليه السلام، لتبدأ من هذا المكان قصّة سيدنا موسى والخضر والتي تحوي من العَبر الكثير.
ننوّه إلى أنّ كلمة البحرين ذكرت في القرآن الكريم أربع مرّات.
أين يقع مجمع البحرين
اختلف العلماء في تحديد المكان، وسنذكر ذلك حسب التّفاسير.
تفسير ابن كثير
ذكر إنّهما بحر فارس ممّا يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب، حيث قال في تفسيره: (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما، وذلك لأنّه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه، وقيل له: متى فقدت الحوت فهو ثمّة، فسارا حتى بلغا مجمع البحرين، وهناك عين يقال لها عين الحياة، فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء، فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام، وطفر من المكتل إلى البحر، فاستيقظ يوشع عليه السلام، وسقط الحوت في البحر، فجعل يسير في الماء، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده، ولهذا قال تعالى: فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مثل السرب في الأرض).
السيوطي في الدر المنثور
ذكر إنّهما بحر فارس والروم، هما بحر المشرق والمغرب؛ حيث قال: (وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قال: بحر فارس والروم، هما بحر المشرق والمغرب، وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في قوله: مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قال: أفريقية، وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قال: طنجة، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قال: الكر والرس؛ حيث يصبان في البحر).
السيّد قطب في تفسيره ظلال القرآن
ذكر إنّهما بحر الروم وبحر القلزم، أي البحر الأبيض والبحر الأحمر؛ حيث قال: (والأرجح ــ والله أعلم ــ أنه مجمع البحرين: بحر الروم وبحر القلزم، أي البحر الأبيض والبحر الأحمر، ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح، أو إنّه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر، فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر).