أشعار شوق وحنين

كتابة - آخر تحديث: ٦:٤٧ ، ١٨ مارس ٢٠١٩
أشعار شوق وحنين

أغالب فيك الشوق والشوق أغلب

يقول المتنبي:

أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ

وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ

أَما تَغلَطُ الأَيّامُ فيَّ بِأَن أَرى

بَغيضاً تُنائي أَو حَبيباً تُقَرِّبُ

وَلِلَّهِ سَيري ما أَقَلَّ تَإِيَّةً

عَشِيَّةَ شَرقِيَّ الحَدالَي وَغُرَّبُ

عَشِيَّةَ أَحفى الناسِ بي مَن جَفَوتُهُ

وَأَهدى الطَريقَينِ الَّتي أَتَجَنَّبُ

وَكَم لِظَلامِ اللَيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ

تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ

وَقاكَ رَدى الأَعداءِ تَسري إِلَيهِمُ

وَزارَكَ فيهِ ذو الدَلالِ المُحَجَّبُ

وَيَومٍ كَلَيلِ العاشِقينَ كَمَنتُهُ

أُراقِبُ فيهِ الشَمسَ أَيّانَ تَغرُبُ

وَعَيني إِلى أُذنَي أَغَرَّ كَأَنَّهُ

مِنَ اللَيلِ باقٍ بَينَ عَينَيهِ كَوكَبُ

لَهُ فَضلَةٌ عَن جِسمِهِ في إِهابِهِ

تَجيءُ عَلى صَدرٍ رَحيبٍ وَتَذهَبُ

شَقَقتُ بِهِ الظَلماءَ أُدني عِنانَهُ

فَيَطغى وَأُرخيهِ مِراراً فَيَلعَبُ

وَأَصرَعُ أَيَّ الوَحشِ قَفَّيتُهُ بِهِ

وَأَنزِلُ عَنهُ مِثلَهُ حينَ أَركَبُ

وَما الخَيلُ إِلّا كَالصَديقِ قَليلَةٌ

وَإِن كَثُرَت في عَينِ مَن لا يُجَرِّبُ

إِذا لَم تُشاهِد غَيرَ حُسنِ شِياتِها

وَأَعضائِها فَالحُسنُ عَنكَ مُغَيَّبُ

لَحا اللَهُ ذي الدُنيا مُناخاً لِراكِبٍ

فَكُلُّ بَعيدِ الهَمِّ فيها مُعَذَّبُ

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَقولُ قَصيدَةً

فَلا أَشتَكي فيها وَلا أَتَعَتَّبُ

وَبي ما يَذودُ الشِعرَ عَنّي أَقُلُّهُ

وَلَكِنَّ قَلبي يا اِبنَةَ القَومِ قُلَّبُ

وَأَخلاقُ كافورٍ إِذا شِئتُ مَدحَهُ

وَإِن لَم أَشَء تُملي عَلَيَّ وَأَكتُبُ

إِذا تَرَكَ الإِنسانُ أَهلاً وَرائَهُ

وَيَمَّمَ كافوراً فَما يَتَغَرَّبُ

فَتىً يَملَأُ الأَفعالَ رَأياً وَحِكمَةً

وَنادِرَةً أَحيانَ يَرضى وَيَغضَبُ

إِذا ضَرَبَت في الحَربِ بِالسَيفِ كَفُّهُ

تَبَيَّنتَ أَنَّ السَيفَ بِالكَفِّ يَضرِبُ

تَزيدُ عَطاياهُ عَلى اللَبثِ كَثرَةً

وَتَلبَثُ أَمواهُ السَحابِ فَتَنضَبُ

أَبا المِسكِ هَل في الكَأسِ فَضلٌ أَنالُهُ

فَإِنّي أُغَنّي مُنذُ حينٍ وَتَشرَبُ

وَهَبتَ عَلى مِقدارِ كَفّى زَمانِنا

وَنَفسي عَلى مِقدارِ كَفَّيكَ تَطلُبُ

إِذا لَم تَنُط بي ضَيعَةً أَو وِلايَةً

فَجودُكَ يَكسوني وَشُغلُكَ يَسلُبُ

يُضاحِكُ في ذا العيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ

حِذائي وَأَبكي مَن أُحِبُّ وَأَندُبُ

أَحِنُّ إِلى أَهلي وَأَهوى لِقاءَهُم

وَأَينَ مِنَ المُشتاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ

فَإِن لَم يَكُن إِلّا أَبو المِسكِ أَو هُمُ

فَإِنَّكَ أَحلى في فُؤادي وَأَعذَبُ

وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ

وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ

يُريدُ بِكَ الحُسّادُ ما اللَهُ دافِعٌ

وَسُمرُ العَوالي وَالحَديدُ المُذَرَّبُ

وَدونَ الَّذي يَبغونَ ما لَو تَخَلَّصوا

إِلى المَوتِ مِنهُ عِشتَ وَالطِفلُ أَشيَبُ

إِذا طَلَبوا جَدواكَ أَعطوا وَحُكِّموا

وَإِن طَلَبوا الفَضلَ الَّذي فيكَ خُيِّبوا

وَلَو جازَ أَن يَحوُوا عُلاكَ وَهَبتَها

وَلَكِن مِنَ الأَشياءِ ما لَيسَ يوهَبُ


أبى الشوق إلا أن يحن ضمير

أَبَى الشَّوْقُ إِلَّا أَنْ يَحِنَّ ضَمِيرُ

وَكُلُّ مَشُوقٍ بِالْحَنِينِ جَدِيرُ

وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرءُ كِتْمَانَ لَوْعَةٍ

يَنِمُّ عَلَيْهَا مَدْمَعٌ وَزَفِيرُ

خَضَعْتُ لأَحْكَامِ الْهَوَى وَلَطَالَمَا

أَبَيْتُ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيَّ أَمِيرُ

أَفُلُّ شَبَاةَ اللَّيْثِ وَهْوَ مُنَاجِزٌ

وَأَرْهَبُ لَحْظَ الرِّئْمِ وَهْوَ غَريرُ

وَيَجْزَعُ قَلْبِي لِلصُّدودِ وَإِنَّنِي

لَدَى الْبَأْسِ إِنْ طَاشَ الْكَمِيُّ صَبُورُ

وَمَا كُلُّ مَنْ خَافَ الْعُيُونَ يَرَاعَةٌ

وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْحُتُوفَ جَسُورُ

وَلَكِنْ لأَحْكَامِ الْهَوَى جَبَرِيَّةٌ

تَبُوخُ لَهَا الأَنْفَاسُ وَهْيَ تَفُورُ

وَإِنِّي عَلَى مَا كَانَ مِنْ سَرَفِ الْهَوَى

لَذُو تُدْرَأ في النَّائِباتِ مُغِيرُ

يُرَافِقُنِي عِنْدَ الْخُطُوبِ إِذَا عَرَتْ

جَوَادٌ وَسَيفٌ صَارمٌ وَجَفِيرُ

وَيَصْحَبُنِي يَوْمَ الْخَلاعَةِ وَالصِّبَا

نَدِيمٌ وَكَأْسٌ رَيَّةٌ وَمُدِيرُ

فَطَوْرَاً لِفُرْسَانِ الصَّبَاحِ مُطَارِدٌ

وَطَوْرَاً لإِخْوَانِ الصَّفَاءِ سَمِيرُ

وَيَا رُبَّ حَيٍّ قَدْ صَبَحْتُ بِغَارَةٍ

تَكَادُ لَهَا شُمُّ الْجِبَالِ تَمُورُ

وَلَيْلٍ جَمَعْتُ اللَّهْوَ فِيهِ بِغادَةٍ

لَهَا نَظْرَةٌ تُسْدِي الْهَوَى وَتُنِيرُ

عَقَلْنَا بِهِ مَا نَدَّ مِنْ كُلِّ صَبْوَةٍ

وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيْثُ تَطِيرُ

وَقُلْنَا لِسَاقِينَا أُدِرْهَا فَإِنَّمَا

بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبابِ يَسِيرُ

فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً ذَهَبِيَّةً

لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُؤُورُ

إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا

وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ

إِلَى أَنْ أَمَاطَ اللَّيْلُ ثِنْيَ لِثَامِهِ

وَكَادَتْ أَسَارِيرُ الصَّبَاحِ تُنِيرُ

وَنَبَّهَنَا وَقْعُ النَّدَى فِي خَمِيلَةٍ

لَهَا مِنْ نُجُومِ الأُقْحُوانِ ثُغُورُ

تَنَاغَتْ بِهَا الأَطْيَارُ حِينَ بَدَا لَهَا

مِنَ الْفَجْرِ خَيْطٌ كَالْحُسَامِ طَرِيرُ

فَهُنَّ إِلَى ضَوْءِ الصَّبَاحِ نَوَاظِرٌ

وَعَنْ سُدْفَةِ اللَّيْلِ الْمُجَنَّحِ زُورُ

خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيْرِهِ

زَهَاهُنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وَغَدِيرُ

تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِدَاً

مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طائِلٌ وَشَكِيرُ

كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ حَبِيكِها

تَمَائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ

إِذَا ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّما

عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ

فَلَمَّا رَأَيْتُ اللَّيْلَ وَلَّى وَأَقْبَلَتْ

طَلائِعُ مِنْ خَيْلِ الصَّبَاحِ تُغِيرُ

ذَهَبْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً وإِنَّمَا

يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ

وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ

تَفُلُّ شَباةَ الْخَطْبِ وَهْوَ عَسِيرُ

مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تَكُفَّ عِنَانَهَا

عَنِ الْجِدِّ إِلَّا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ


يا جامع الشمل بعدما افترقا

يا جامعَ الشملِ بعدما افترقا

قَدّرْ لعيني بمَنْ أُحِبُّ لِقا

ويا مجيرَ المحبّ من فَرَقِ الـ

ـفراقِ عجلْ وأذهبِ الفرقا

عافِ من السقمِ مبتلى بهوى

ما نفعتْ فيه عُوذَة ٌ ورُقى

أجرْ بوصلِ الحبيب قلبي منْ

طوارقِ الهجرِ وافتح الطرقا

و لا تسلطْ أذى الفراقِ على

ضعفي فما لي على الفراقِ بقا

و لا تؤاخذْ فلستُ أولَ منْ

بخيسِ عهدِ الحسان قد وثقا

أنا الذي رَامَ مِنْ أحبَّتِهِ

حظاً بلقياهمُ فما رزقا

وهَلْ مطيقٌ عَلى النوى جلداً

صبٌّ لغيرِ الغرامِ ما خلقا

أحبّتي ما الذي أضرَّ بكُمْ

قُرْبيَ بَعدَ النوى لَوِ اتَّفقا

جودوا وعودوا فديتكمْ دنفاً

نضوَ سقامٍ على الفراشِ لقى

حسبتُ يومَ الوَداع أنَّ مَعي

قَلْبي ولَمْ أدرِ أنّهُ سُرِقا

إنّ فؤادي فَراشُ شوقِكُمُ

صادفَ نارَ الغرامِ فاحترقا

وإنّ وجدي الذي أراقَ دمَ الـ

ـعَيْنِ لَدمعٌ أهدى لها الأرقا

و اعجبا لا يزالُ ذا ظماءٍ

إنسانُ عينٍ بدَمعِها غَرِقا


روحي للقاك يا مناها اشتاقت

رُوحي للقاك يا مُناها اشْتَاقَتْ

والأرضُ عليّ كاختيالي ضَاقَتْ

والنفسُ لَقَدْ ذابَتْ غراماً وجوىً

في جنب رضاك في الهوى ما لاقَتْ
386 مشاهدة