حِفظ الإسلام للأَعْراض
أجمع العلماء على أنّ مقاصد الشريعة الإسلامية جمعاء تهدف إلى حفظ الضروريّات الخمس؛ وهي الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، ولأنّ العِرض إحدى هذه الضروريّات الخمس، فقد حرص عليه الإسلام حرصاً شديداً وأولاه اهتماماً عظيماً، وصانه وحفظه وحماه، والذي يتابع التشريعات الإسلامية ويتأمل آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يلمس ذلك الحرص سريعاً، فقد جاء في القرآن الكريم مثلاً ما يدلّ على تحريم الإسلام للزنا واعتباره كبيرةً من الكبائر، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)،[١] وذلك لما فيه من هتكٍ للعِرض، بل إنّ الإسلام لم يكتفِ فقط بتحريم الزّنا، بل جعل كلّ ما يؤدّي إليه ويدفع نحوه مُحرَّماً كذلك، فإطلاق البصر والتبرّج والخلوة كلّها محرّمة، كما أمر الله تعالى المرأة المسلمة بالحجاب والسِّتر والحياء في الملبس والكلام، ونهى الإسلام أيضاً عن الاختلاط بين الجنسين، وتخنّث الرجال، وترجّل النساء، وكل ما من شأنه نشر المُنكَرات والرذائل.[٢]
ولم يكتفِ الإسلام بتحريم الزنا وما يؤدي إليه في سعيه للحفاظ على الأعراض، بل شرّع آداب الاستئذان وأمر بها، ولم يُبِح اقتحام البيوت دون إذن أصحابها، وجعل الاستئذان فرضاً من أجل حماية العِرض وحُرمة البيت، كما حرّم قذف المُحصنَات واعتبر ذلك كبيرة من الكبائر، ووضع له حدّاً خاصاً، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٣] وقد حرّم كذلك أنواع الشذوذ الجنسيّ كلها؛ من لواط وسحاق وغيره؛ حمايةً للمسلم وعِرضه وشرفه.[٢]
الحِكمة من تحريم الزّنا
حرّم الله تبارك وتعالى الزنا تحريماً قطعياً، وأوجب على من فعله حدّاً معلوماً عقوبةً له في الدنيا، ولهذا التحريم حِكم عديدة، منها ما يأتي:[٤]
- هذا التحريم موافق لفطرة الناس السويّة التي خلقهم الله تعالى عليها، وهي فطرة الغيرة على العِرض والحرص على صيانته وحفظه، بل إنّ الحيوانات تغار على أعراضها كذلك، فالإنسان إن رضي بأن يعتدي أحدهم على أخته أو أمه أو زوجته، وأن يجعلها سلعةً ومتاعاً، فقد رضي أن ينزل بنفسه إلى مرتبة هي دون مرتبة بعض الحيوانات.
- حفظ الأنساب من الاختلاط؛ فالزنا يجعل بعض الأفراد من صُلب الإنسان، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك، فيصبحون جزءاً من عائلته، وبهذا يكون لهم الحق في الإرث مثلاً، ويصبحون أرحاماً مع أنهم ليسوا كذلك.
- الحفاظ على نظام الأسرة والحياة العائلية، فلو أنّ الرجل اتّخذ عشيقةً له، والمرأة اتخذت كذلك عشيقاً لها، لتدمّرت الأسرة وتشتّت شملها بلا شكّ.
- الوقاية من بعض الأمراض؛ فقد ظهرت في الشعوب الإباحية الكثير من الأمراض المرتبطة بالزنا، منهاك الزهري، والسيلان، والإيدز، وهذه أمراض خطيرة تتسبب بوفاة الكثيرين سنوياً، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وحذّر من انتشار مثل هذه الأمراض في الأقوام التي دأبت على فعل الفاحشة، قال صلى الله عليه وسلم: (لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا).[٥]
- حفظ كرامة المرأة وصيانتها؛ فانتشار الزنا والسّماح به يؤدي إلى امتهان المرأة وإذلالها، وجعلها سلعة ومتاعاً لمن أراد، والإسلام إنّما جاء ليحقق كرامة الخلق وأخصّهم المرأة، لِما كانت عليه من المهانة والتحقير في الجاهلية.
- الحدّ من انتشار الجريمة؛ فالزنا يؤدي إلى شيوع الجرائم والقتل، فترى الرجل يقتل زوجته وعشيقها، أو المرأة تفعل ذلك مع زوجها وعشيقته، وقد تقتل المرأة من زنا بها إن كان قد أكرهها على ذلك.
عقوبة الزاني
رتّب الله سبحانه وتعالى على الزنا عقوبةً شديدةً، منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة، فأمّا التي في الدنيا فهي الحدّ الذي قدّره الله تبارك وتعالى على الزاني والزانية، حين قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛[٦] فالزاني البكر الذي لم يسبق له الزواج من قبل والدخول الصحيح في زوجته، يُجلَد مئة جلدة حداً إذا ثبت قيامه بالزنا عند الحاكم المسلم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة، إلا أنّه إن كان رجلاً زيد على ذلك نفيُه عن بلده مدّة عام كامل، أمّا الزاني المُحصَن وهو من سبق له الزواج والدخول في زوجته دخولاً صحيحاً، فإنّه يُرجَم بالحجارة إلى أن يموت، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة أيضاً، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (البكْر بالبِكْر؛ جَلْدُ مائة ونَفْيُ سَنَة، والثّيّبُ بالثّيّبِ؛ جَلْدُ مائة والرّجْم).[٧][٨]
وأما عن عقوبة الزاني المُؤجَّلة، فقد قصّ الرسول صلى الله عليه وسلم ما رآه ليلةً على صحابته رضوان الله عليهم، فأخبرهم أنّه قد آتاه آتيان وانطلق معهما، فرأى في ذهابه معهما عدداً من المشاهد، كان من هذه المشاهد ما قال فيه صلى الله عليه وسلم: (فأتينا على مثلِ التنُّورِ، قال: وأحسب أنّه كان يقول -فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا)،[٩] ثمّ أوضح للصحابة رضوان الله عليهم ما في ذلك المشهد، قائلاً: (وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناء التنورِ، فإنّهم الزناةُ والزواني)،[٩] وفي هذا الحديث دلالة على عذاب الزناة والزواني في البرزخ إلى أن تقوم الساعة.[٨]
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 32.
- ^ أ ب أحمد أبو زيد (2015-3-26)، "حماية الأعراض في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-4. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 4.
- ↑ "الحكَم الجليلة في تحريم الزنا"، www.islamqa.info، 2008-4-17، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-4. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7978، صحيح.
- ↑ سورة النور، آية: 2.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 1690، صحيح.
- ^ أ ب "عقوبة الزاني الدنيوية والبرزخية والأخروية"، www.fatwa.islamweb.net، 2002-11-9، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-4. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 7047، صحيح.