الشرك بالله
يُعتبر الشرك بالله من أكبر الذنوب، لما فيه من ظلمٍ عظيمٍ، فيكف يصرف المُشرك العبادة التي هي خاصّةً بالله تعالى، الخالق، الرازق، المدبّر، لمن لا يخلق، ولا يرزق، ولا يقدّم، ولا يؤخّر، وقد بيّن الله -تعالى- أنّ الهدف من خلق الإنسان إفراد الله -سبحانه- بالعبادة، حيث قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[١] فما أعظم ظلم من يساوي آلهته المزعومة بالله الذي خلقه من نطفةٍ، ثمّ من علقةٍ، ثمّ جعله رجلاً، بالله الذي أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وسخّر المخلوقات لخدمته، وسيعلم كلّ مشركٍ حقيقة الظلم الذي ارتكبه، ولكن بعد فوات الأوان، فقد بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم قولهم لشركائهم يوم القيامة، إذ يقولون: ( تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)،[٢] وقد حرّم الله -تعالى- المغفرة والجنة على المشركثين، فالشرك أكبر الكبائر، ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم كلّه نزل ليأمر الناس بإفراد الله -تعالى- بالعبادة، ويحذّر من الشرك، ولم يقتصر التحذيرمن الشرك على الكفار فقط، بل حذّر الله -تعالى- المؤمنين الموحّدين من أن ييستزلّهم الشيطان، وعلى الرغم من استحالة وقوع الأنبياء والمرسلين في الشرك إلّا أنّ الله -تعالى- حذّرهم منه، حيث قال: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)،[٣] ولذلك يجب على العبد ألّا يأمن على نفسه من الشرك، بل يجب عليه أن يبقى حذراً متيقظاً، وأن يرجو من الله -تعالى- أن يُجنّبه الشرك، وليتخذ إبراهيم -عليه السلام- قدوته في هذا الأمر، فعلى الرغم من عظم مكانته، إلّا أنّه حطّم الأصنام بيده، وتبرأ من قومه؛ لأنّهم كانوا مشركين، إلّا أنّه دعا الله -تعالى- أن يجنّبه عبادة الأصنام، ويبعده وذريته عنها، حيث قال الله تعالى: (وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ)،[٤] وممّا يدلّ على خطورة الشرك على أمّة الإسلام؛ تحذير الله -تعالى- لسيد ولد آدم محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- منه، ويدلّ تحذير النبي -عليه الصلاة والسلام- على الرغم من عصمته أنّ التحذير كان لأمته، كما في قول الله تعالى: (لا تَجعَل مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ فَتَقعُدَ مَذمومًا مَخذولًا)،[٥] وقد خاف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على صحابته -رضي الله عنهم- الوقوع في الشرك الأصغر؛ ومنه: الرياء، فحذّرهم وحذّر الأمة منه، وتجدر الإشارة إلى أنّ للشرك صوراً كثيرةً، منها: الصلاة للقبور، والذبح، والطواف لها، والاستهزاء بشيءٍ من الشريعة الإسلامية، والحكم بغير ما أنزل الله، وسبّ الدهر، والاعتراض على قدر الله تعالى.[٦]
أنواع الشرك الأصغر
ثمّة أعمالٌ تُعدّ من الشرك الأصغر، وهي:[٧]
- قول لولا الله وفلان: ومثال ذلك أيضاً قول: لولا الكلب لأتانا اللصوص، أو لولا البط في الدار لأتانا اللصوص، أو قول لولا فلان، أو لولا الله وفلان لحصل كذا وكذا، وقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير قول الله تعالى: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[٨] أنّ المقصود بالأنداد الشرك الأصغر.
- الحلف بغير الله: ومن صور الحلف بغير الله الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالكعبة المشرفة، أو الحلف بالشرف، أو الجاه، وهذا كلّه ممّا حذّر منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (من حلف بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ)،[٩] فلا ينبغي للمسلم الحلف إلّا بالله عزّ وجلّ، فقد رُوي أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- أدرك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يحلف بأبيه، فقال: (من كان حالفًا فليحلفْ باللهِ أو لِيصمُتْ).[١٠]
- قول ما شاء الله وشئت: هذا القول يُعدّ من الشرك الأصغر، والدليل على ذلك ما رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال لرجلٍ عندما قال له ما شاء الله وشئت: (أجعلتني للهِ نداً؟ قلْ: ما شاءَ اللهُ وحدَه)،[١١] بالإضافة إلى ما رُوي عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لا تَقولوا: ما شاءَ اللَّهُ وشاءَ فلانٌ، ولَكِن قولوا: ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ ما شاءَ فلانٌ).[١٢]
- الرياء: يُعرّف الرياء بأنّه العمل الذي يُراد به ظاهرياً وجه الله تعالى، بينما يُراد به في الحقيقة مدح الناس وثنائهم، وقد حذّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الأمة من خطر الرياء، حيث قال: (أخوفُ ما أخافُ عليكمُ الشركُ الأصغرُ، فسُئِلَ عنه، فقال: الرياءُ).[١٣]
الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر
ثمّة اختلاف بن الشرك الأكبر والشرك الأصغر من عدّة جوانبٍ، منها: أن الشرك الأكبر مخرجٌ من الإسلام؛ إذ إنّه يُناقض أصل التوحيد والإيمان، بينما لا يُخرج الشرك الأصغر فاعله من دائرة الإسلام؛ لأنّه لا يُناقض أصل التوحيد وإنّما يُناقض كمال التوحيد، ومنها أنّ الشرك الأكبر لا يغفره الله تعالى، إلّا بالتوبة منه، بينما قد يغفرالله -تعالى- الشرك الأصغر، فإذا مات العبد وعنده من الشرك الأصغر دخل في المشيئة إن شاء الله -تعالى- غفر له، وإن شاء عذّبه، ومنها أنّ الشرك الأكبر يُحبط العمل فلا ينفع معه الحسنات، ولا تقبل معه الطاعات مهما كثُرت، بينما لا يحبط الشرك الأصغر الأعمال، فإن كثرت الحسنات وطغت على السيئات دخل فاعله الجنة، ومنها أنّ الشرك الأكبر يُوجب الدخول في النار والخلود فيها، بينما لا يُوجب الشرك الأصغر الخلود في النار، فقد يُعذّب فاعل الشرك الأصغر في نار جهنّم، ولكنّ مآله إلى الجنّة.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 97-98.
- ↑ سورة الحج، آية: 26.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 35.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 22.
- ↑ "خطورة الشرك"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-9-2018. بتصرّف.
- ↑ "بيان أنواعٍ من الشرك الأصغر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 22.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5/69، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6646، صحيح.
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 28/2، صحيح.
- ↑ رواه النووي، في الأذكار، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 444، إسناده صحيح.
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 44/1، إسناده صحيح.
- ↑ "الشرك الأكبر والشرك الأصغر والفرق بينهما"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-9-2018. بتصرّف.