الجنة
أعد الله سبحانه وتعالى نعماً عظيمةً في الآخرة للمُتّقين، وهي نعم ليست كنعم الدنيا، هذه النعم ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة لتكون حافزاً ومُشجّعاً للعباد للإقبال على الطاعات، والبُعد عن المعاصي والآثم التي تغضب وجه الله تعالى، وأبلغ وصفٍ لنعيم الجنة وما فيها وما أعد الله لعباده ما ذُكر في الحديث الشريف، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (أعدَدْتُ لعبادي الصَّالحينَ: ما لا عينٌ رأت، ولا أذُنٌ سَمِعَت، ولا خطَرَ على قلبِ بَشرٍ، ذُخرًا بَلْهَ ما اطَّلعتم عليه. ثم قرأ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).[١]
حقيقة الجنة
- الجنة في اللغة: البستان كثير الأشجار،[٢] ويُقال: جنة سحقاً؛ أي بمعنى: بُستان طويل النخل.
- الجنة شرعاً: الدار التي جهّزها الله في الآخرة للمُتّقين من عباده، وتأتي بمعنى دار الكرامة التي أعدّها الله لأوليائه الصالحين يوم القيامة.[٣]
نعيم الجنة
تعدّدت النعم التي ذُكرت في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، ومن هذه النعم:[٤]
- أعظم نعيم الجنة وأفضلها رؤية المؤمنين وجه ونور ربّهم الكريم، والذي كما أخبر في كتابه العزيز ليس كمثله شيء. والمؤمنون يرون ربهم من فوقهم في الجنة رؤيةً بصريّةً حقيقيةً، كما جاءت الأدلّة من القرآن الكريم والسنة النبوية:
- فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)،[٥] وقوله جلّ وعلا:(عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ).[٦]
- ومن السنة النبوية قول الرسول -عليه الصّلاة والسّلام-: (كنا جلوسًا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمرِ ليلةَ البدرِ، قال: إنكم سترون ربَّكم كما تروْن هذا القمرَ، لا تُضامون في رؤيتِه، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل الشمسِ، وصلاةٍ قبل غروبِ الشمسِ ، فافعلوا).[٧]
- وقال النبي -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّكم ستروْنَ ربَّكم عَيَانًا ).[٨]
- إنّ نعيم الجنة باقٍ لا يفنى ولا ينفد، وقد ذكرت الآيات أوصاف هذا النعيم الدائم المُقيم، قال تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ).[١٠]
- بين العلماء في تفسير هذه الآية أنّ الله جلّ وعلا ذكر أنّ المُتّقين يدخلون جنّات عدن يوم القيامة، والعَدَن في لغة وكلامهم العرب تعني الإقامة؛ فمعنى جنّات عدن: أي جنّات إقامة في النعيم، فهم لا يرحلون منها ولا يتحوّلون. وبين سبحانه في آيات كثيرة أنّهم يُقيمون في الجنة على الدوام، قال: (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً).[١١]
- ومن نعيم الجنة الخلود فيها، ذُكر ذلك في قوله تعالى: (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً)؛[١٢] أي خالدين في الجنة بلا انقطاع. وكقوله: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)؛[١٣] أي غير مقطوع.
- أما ملذّات الجنة ففيها كل ما تشتهيه الأنفس، قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[١٤] وقد بيّن القرآن الكريم أنّ من ذلك النّعيم الموجود المشارب، والمآكل، والفُرُش، والسّرر، والملابس، والأواني، وأنواع الحُليّ، والخدم، وغير ذلك:
- أمّا المآكل فقد قال سبحانه وتعالى: (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ).[١٥]
- وأمّا المشارب قال تعالى: (إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً).[١٦]
- وأمّا ما يتّكئون عليه فهو من الفُرُش والسُّرر قال تعالى: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ)؛[١٧] والسرر الموضونة أي المنسوجة بقضبان الذهب.
- وأمّا خدمهم، فقد ورد ذكر صفة الغِلمان في قوله تعالى: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً).[١٨]
- وأصحاب الجنة يتنعّمون هم وأزواجهم في ظِلّ على الأرائك، وهؤلاء الزوجات فالله سبحانه ينشئهن إنشاء، عُرُباً أتراباً، كما يُنشِىء معهم الحور العين، فهن بيض مكنون، مُطهّرات من عيوب نساء الدنيا، فلا يجدن حيض، ولا نفاس، ولا سوء خُلُق.[١٩]
- والآيات الواردة على أنواع نعيم الجنة المتنوعة، وحسنها، وكمالها؛ كالظلال، وعيون الماء، والأنهار، وغير ذلك، فهي كثيرة جداً.[٢٠].
درجات الجنة
الجنّة درجات يأتي بعضها فوق بعض، وأمّا أهلها فهم مُتفاضِلون فيها حسب منازلهم فيها، قال سبحانه وتعالى: (وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ)،[٢١] والتفاضل يكون بحسب الإيمان والتقوى. وأعلى منزلة في الجنّة تكون لشخص واحد وهو الرسول محمد -عليه الصّلاة والسّلام-.[٢٢]
أسماء الجنّة
ورد ذكر الجنة في مواضع عديدة في القرآن الكريم بأسماء عدة، من هذه الأسماء:[٢٣][٢٤]
- الجنّة: وهو الاسم المعروف والمُتداوَل بين الناس لتلك الدار، وما احتوت فيها من شتّى أنواع النعيم، وأصل اشتقاق لفظ الجنة من الستر والتغطيّة، ولذلك سُمّي الجنين جنيناً لاستتاره في البطن، وكذا سُمّي الجان لاستتاره واختفائه عن العيون، وقد ورد ذكر هذا الاسم في قول الله عزَّ وجلّ: (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).[٢٥]
- جنات عدن: أي بمعنى مكان الإقامة الدّائمة والأبديّة، وقد جاء هذا اللفظ في قوله سبحانه: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا).[٢٦]
- دار الخلد: وسُمّيت كذلك لأنّ فيها الخلود الدّائم فلا موت فيها، وقد ورد هذا اللّفظ في قول الله سبحانه وتعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ).[٢٧]
- جنّات النّعيم: وسُمّيت بهذا الاسم لما فيها من النّعم الكثيرة، وما تشتهيه الأنفس السليمة من مأكل، وملبس، ومشرب، ومظهر حسن، ومساكن واسعة تسرّ الناظرين، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ).[٢٨]
- جنة المأوى: والمأوى مصدرها أوى يأوي: إذا انضمّ إلى المكان وصار إليه واستقرّ به، وقيل: يأوي إليها جبريل والملائكة، وقيل: تأوي إليها أرواح الشهداء، وقد جاء هذا اللّفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى).[٢٩]
- وللجنة أسماء أخرى ورد ذكرها في كتاب الله تعالى مثل: دار القرار، ودار المُتّقين، والفردوس، والمقام الأمين، ودارالسّلام وغيرها.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4780، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1415هـ- 1995م)، تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد (الطبعة الثالثة)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة أضواء السلف، صفحة 131، جزء 1.
- ↑ عبد العزيز ين صالح بن إبراهيم الطويان (1419هـ/1999م)، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف (الطبعة الأولى)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 498، جزء 2.
- ↑ عبد العزيز ين صالح بن إبراهيم الطويان (1419هـ/1999م)، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف (الطبعة الأولى)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 499، جزء 2.
- ↑ سورة القيامة، آية: 22 - 23.
- ↑ سورة المطففين، آية: 23.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7434، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7435، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ عبد العزيز ين صالح بن إبراهيم الطويان (1419هـ/1999م)، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف (الطبعة الأولى)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 509، جزء 2.
- ↑ سورة النحل، آية: 31.
- ↑ سورة الكهف، آية: 108.
- ↑ سورة الكهف، آية: 3.
- ↑ سورة هود، آية: 108.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 71.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 73.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 5- 6.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 15 - 16.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 19.
- ↑ سيد سابق، العقائد الإسلامية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 302، جزء 1.
- ↑ عبد العزيز ين صالح بن إبراهيم الطويان (1419هـ/1999م)، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف (الطبعة الأولى)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 503، جزء 2.
- ↑ سورة طه، آية: 75.
- ↑ عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر العتيبي (1418 هـ - 1998 م)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 161، جزء 1.
- ↑ عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة الثالثة)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 95-96. بتصرّف.
- ↑ ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، القاهرة: مكتبة المدني، صفحة 94-97. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 32.
- ↑ سورة مريم، آية: 61.
- ↑ سورة ق، آية: 34.
- ↑ سورة لقمان، آية: 8.
- ↑ سورة النجم، آية: 15.