الآخرة
إنّ الحياة الدنيا تعدّ دار عبورٍ للوصول إلى دار الخلود التي لا موت فيها ولا فناء، والواجب على المسلم أن يعمل ويجتهد؛ ليحصد ثمار جهده وتعبه في الحياة الآخرة، فالله تعالى خلق الإنسان واستخلفه على الأرض لغايةٍ عظيمةٍ وهدفٍ سامٍ، حيث قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؛[١] فالغاية من خلق الإنسان تتمثّل في عبادة الله تعالى وإقامة أوامره واجتناب نواهييه، وقد صرّح الله تعالى بذلك عندما قال لآدم -عليه السّلام- ولإبليس: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَ)،[٢] أمّا الخلق؛ فانقسموا إلى من ينكر ولا يؤمن بوجود دارٍ أخرى بعد الدار الدنيا، لينال كلّ عبدٍ العقاب أو الثواب على أعماله في الحياة الدنيا، فجلّ تفكيرهم وأعمالهم تنحصر في تلبية أهواء وشهوات النفس كما تفعل الأنعام، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)،[٣] أمّا القسم الآخر من الناس فهم الذين يؤمنون بالدار الآخرة بعد الموت، ويؤمنون أيضاً بالحساب على أعمال الحياة الدنيا.[٤]
كيفيّة الاستعداد للآخرة
على المسلم ألّا ينشغل بالحياة الدنيا عن الحياة الآخرة، فمن الممكن أن يكون الطريق لكلٍّ منهما واحدة، وفيما يأتي بيان كيفيّة الاستعداد للآخرة والعمل لها:[٥]
- إنّ الواجب على المسلم ألا يفرّق بين طريق الدنيا وطريق الآخرة، فيجب الالتزام بأوامر الدّين، مع السعي في طلب العلم والكسب والجِدّ، مع وجوب الإيمان بعدم وجود أيّ تعارضٍ أو تناقضٍ بين ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبويّة من أوامر ونواهٍ، وبين أمور الحياة الدنيا، إلا أنّ بعض المسلمين قد يقع في قلبه ذلك الاعتقاد بسبب الفهم الخاطئ لأمور الدين، أو بسبب القيام ببعض الأعمال المحرمة والذنوب، فقد يكون المسلم عاملاً في التجارة المحرّمة التي تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلاميّة، ممّا يسبّب له الشكّ في أمور دينه، وعلاج ذلك يكون بترك الأمور المحرّمة والإقلاع عنها، وقد يكون التعارض عند بعض المسلمين بسبب غلبة أمور الدنيا لديه على أمور الآخرة في العمل والسعي، إلّا أنّ الواجب على المسلم تغليب العمل للآخرة عن العمل للدنيا، أمّا من يتعارض لديه مفهوم الحياة الدنيا مع مفهوم الإسلام والدين وإقامة أوامر الله تعالى فلا بدّ أن يبصّر ويفهّم الأمور على حقيقتها.
- إنّ الواجب على المسلم التوفيق بين أمور الدنيا وأمور الآخرة، وذلك يتحقق بالعديد من الأمور، منها: العمل أو الدراسة في المجالات المباحة وغير المحرّمة؛ لكسب طريق الدنيا والآخرة، ولا بدّ أيضاً من تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة في أمور الدنيا، ومثال ذلك: الأحكام التي تجمع بين أمور الدنيا والآخرة من بيع وشراء وزواج وطلاق وحضانة ورضاع وكفالة ووكالة وإجارة ورهن وحوالة، فالله تعالى بيّن جميع الأمور المتعلّقة بما سبق، سواءً في القرآن الكريم أم في السنّة النبويّة، حيث إنّ الإنسان مهما بلغ علمه، إلّا أنّه قد يقع في ظلم غيره من الناس، ومع ذلك فلا بدّ من المسلم أن يعلم أنّ الحياة الدنيا مهما بلغت إلّا أنّها تبقى حقيرةً واهنةً، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرَ اللهِ وما والاه وعالمًا أو متعلمًا)،[٦] والدنيا ملعونةٌ؛ أي أنّها مبغوضةٌ من الله تعالى، والاستثناء الوارد في الحديث السابق يدلّ على أنّ أعمال البرّ والخير وما في معناهما ليست ملعونةً، والواجب على المسلم أيضاً عدم الانشغال بالدنيا بشكلٍ كاملٍ ونسيان الحياة الآخرة بشكلٍ تامٍ، حيث قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).[٧]
أعمال يحبّها الله تعالى
حتى يصل المسلم إلى حبّ الله تعالى له، لا بدّ له من القيام بعدّة أمورٍ، منها:[٨]
- اتّباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي ذلك اتباعٌ لله تعالى، حيث إنّه أمر باتباع رسوله وما ورد عنه، حيث قال في كتابه الكريم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[٩] وورد التحذير والنهي من عدم اتباع الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- في العديد من النصوص القرآنيّة، ففي عدم اتباعه نفيٌ لتمام الإيمان، وموردٌ لدخول النار، فقد أقسم الله تعالى في كتابه الكريم أنّ الإيمان الحقيقي لا يتحقّق إلا بتحكيم الرسول في النزاعات والخلافات، وفي التحاكم إلى السنّة النبويّة بعد موت الرسول، حيث قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[١٠]
- تحقيق تقوى الله تعالى في القلوب، حيث قال الله تعالى: (بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)،[١١]والتقوى؛ هي جعل حاجزٍ بين العبد وبين نيل العذاب من الله تعالى، وذلك بفعل الطاعات والعبادات.
- الإحسان، وبذلك يصل المسلم إلى كمال العبوديّة إلى الله تعالى، فالإحسان أعلى درجةً بعد الإسلام والإيمان.
- التوبة والرجوع والإنابة إلى االله تعالى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[١٢] فالله تعالى يحبّ العباد المستغفرين له والمكثرين من ذلك، والتوابين أيضاً، وكذلك فإنّه يحب عباده المتطهّرين، أيّ الذين يبتعدون عن الفواحش والمنكرات والأقذار.
المراجع
- ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
- ↑ سورة طه، آية: 123.
- ↑ سورة محمد، آية: 12.
- ↑ "الاستعداد للآخرة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-9-2018. بتصرّف.
- ↑ "التوفيق بين عمل الدنيا وعمل الآخرة"، almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1961، حسن.
- ↑ سورة النور، آية: 37.
- ↑ "كيف تفوز بمحبة الله عز وجل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ سورة النساء، آية: 65.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 76.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.