محتويات
مفهوم الغزل
لقد احتل الغزل مكانة مرموقة وكبيرة منذ العصر الجاهليّ، فنجده دائماً في قصائد الشعراء، فلا تكاد قصيدة تخلو من التغزّل بجمال وحُسْنِ المحبوبة، ونراه واضحاً في المقدمة الطلليّة التي يستهل الشاعر بها قصيدته قبل البدء بغرضه الرئيسيّ ذاكراً أيّام الحب الذي أضنى قلبه شوقاً وحنيناً للمحبوبة، مُتغزلاً بها بأسمى المعاني وأعذب الألفاظ، فالغزل ما هو إلاّ إظهارٌ للشوق الدائم للمحبوبة ومدى الحب الذي في قلب الشاعر لها، وهنا وفي هذا المقال سنتحدث عن الغزل بنوعيه العذريّ والحضريّ في العصور المختلفة.
الغزل في العصر الجاهلي
لقد احتل الغزل في العصر الجاهليّ جزءاً كبيراً من التراث الأدبيّ العربيّ، حيثُ لا توجد قصيدة إلاّ وفيها اتصال بالغزل، أو اقتصرت عليه فقط، من وصف الجمال الخارجيّ للمرأة كجمال الوجه والجسم، وبالرغم من تفنن الشعراء في الغزل والوصف والتشبیب والنسيب، إلاّ أنّه لم يكن فناً مستقلاً بذاته، وإنّما هو غرض من الأغراض المتعددة التي تشتمل علیها القصائد، ویتسم الغزل في العصر الجاهليّ بالبساطة والبعد عن التكلّف والغموض.
الغزل في صدر الإسلام
يميلُ الغزل في هذا العصر إلى التعفّف والصدق، فقد هذّبه الإسلام بعد مجيئه، حيثُ وضع القرآن الكريم مبادئ أخلاقيّة للشعر والشعراء وحدوداً لعلاقاتهم مع المرأة، فقد فسَّر العلماء الآية القرآنيّة الواردة في سورة الشعراء "والشعراء يتّبعهم الغاوون"، بأن عامة الناس ينبغي ألا يتبعوا الشعراء في الباطل والهجاء والتملّق الذي يتصف به بعضهم، لأنّ الهدف الذى ينشده الإسلام من الشعر هو الصدق والخير والدفاع عن الإسلام، وكان للرسول الكريم والخلفاء الراشدين الموقف ذاته من الشعر، وكان الشعر يسعى إلى تحقيق الألفة بين القلوب، وجعل العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على أساس العفة والمودة والإخلاص.
الغزل في العصر الأمويّ
ظهر الغزل في البيئة الحجازيّة على مذهبين هما: الغزل العذريّ والذي ظهر في البادية وهو ثمرة الإسلام الذى زرع العفة والأخلاق فى النفس الإنسانيّة، وكان هذا الغزل لا يتجاوز الحد الأخلاقيّ في تغزّله بالمحبوبة كوصف محاسن جسدها كما نراه في الغزل الحضريّ والإباحيّ وهو المذهب الثاني الذي ظهر في البيئة الأمويّة خاصة في الحواضر والمدن، حيثُ يظهر في قصائد هؤلاء الشعراء تعلّقهم بمحبوبة تستهويهم فيتوددوا إليها ويتغنوا بمحاسنها ومفاتنها، فهو بذلك يفتقر إلى العفة والإخلاص، ويتميّز بتبدل عواطف ومشاعر الشاعر فلا يستقر على محبوبة واحدة كما في الغزل العذريّ.
الغزل في العصر العباسي
بقي فن الغزل في العصر العباسيّ مزدهرًا، وظلت اتجاهاته الإباحيّة والعفيفة تحتل القسم الأكبر من النتاج الشعريّ، إلاّ أنّ الاتجاه الماجن والإباحيّ غلب، ويعود السبب إلى كثرة الإماء ودور النخّاسين والجواري والقيان، حيثُ جعل الشعراء يسرفون في النظر إلى المرأة من منظور الشهوة، وقد كان أبو نواس زعيم هذا الاتجاه، مُتخذاً من لذة السُكْر نافذة يطل بها إلى العالم، وبلغ به الحد إلى التغزل بالغلمان، ويفضلهم في بعض الأحيان على المرأة الأنيقة المُتبرّجة، وازدهر اتجاه الغزل العفيف إلى جانب الغزل الإباحيّ وكان شعراؤه وأبرزهم العباس بن الأحنف يستمدون ويستعينون معاني وألفاظ الغزل العذري في العصر الأمويّ، فهم يتلذّذون بنار الحب وشقائه وحرمانه.