كيف نحقق التوكل على الله

كتابة - آخر تحديث: ٢:١٥ ، ٣ أبريل ٢٠١٧
كيف نحقق التوكل على الله

مفهوم التوكل

أمر الله سبحانه وتعالى العبدَ بالتوكلِ عليه وحده، فالتوكل على الله عز وجل هو سِمةُ العبد الصادق، وبه أمر الله الأنبياء والمؤمنين، والتوكل: هو صدق اعتماد قلب المسلم على الله سبحانه في استجلاب المصالح، ودفع الضرر من أمور الدنيا والآخرة، وتوكيل جميع أموره إليه، وإيمان العبد إيماناً جازماً بأنَّه لا يُعطي إلا الله، ولا يَمنع إلا الله، ولا يَنفع غيره سبحانه، ولا يَضر سواه. قال سعيد بن جبير: (إنَّ التوكل جِماع الإيمان)، وقال وهب بن منبه: (غايةُ المؤمن القصوى التوكل)، وقال الحسن: (معنى توكل العبد على الله أن يعلم العبد أنَّ الله هو ثقتهُ).

فالتوكل على الله دليلُ صحةِ إيمان العبدِ وصلاح قلبهِ، وهو اعتراف العبد الكامل بربوبية الله، وتسليمه كل أموره للخالقِ الواحد، المتصرف بجميعِ أمورهِ، والمدبر الوحيد لأحوالهِ، صغيرها وكبيرها.[١]


قال ابن بطال: (التوكل على الله هو الثقةُ بهِ، والاستسلامُ لأمرهِ، وإيقانُ العبدِ بأنَّ قضاءهُ عليهِ ماضٍ).[٢] قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا).[٣] وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ).[٤] وتكررت الآية: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[٥] في سبعة مواضع في كتاب الله، فقد ذُكرت في سورة آل عمران في موضعين، وفي سورة المائدة، والتوبة، وإبراهيم، والمجادلة، والتغابن.


تحقيق التوكل على الله

أمور كثيرة إن فعلها العبد المسلم تحقق لديهِ التوكل على اللهِ سبحانه، منها:[٦]

  • البعد عن الذنوب والمعاصي التي تُغضب الله عز وجل، فإقدام العبد على فعل معصيةٍ ينافي مفهوم التوكل على الله سبحانه. قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).[٧]
  • يتحقق التوكل على الله بإيمانِ العبد بأنَّ ما كتب الله سبحانه نافذٌ، وما قدّره الله له كائنٌ، وإن بدت الأمور بعكس ما يريد العبد فعليه الإيمان بأنَّ الله سبحانه قد اختارَ لهُ الأفضل. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[٨]
  • تحقيق التوكل لدى العبد لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب، التي قدَّر الله عزّ وجل المقدورات بها، وجرت سنة الله في خلقهِ بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمرهُ بالتوكلِ عليه سبحانه، فالسعي في الأسباب يكون بالجوارحِ طاعة لهُ، والتوكل على الله يكون بالقلبِ إيماناً بهِ سبحانه، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)،[٩] وقال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)،[١٠] وقال سبحانه في سورة الجمعة: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ)،[١١] ويغفل الكثير من الناس عن التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويقفون على الأسباب الظاهرة المحيطة بهم، ويُتعبون أنفسهم بالأخذِ بالأسباب، ويجتهدون غايةَ الاجتهادِ، ومع هذا كله لا يأتيهم إلا ما كتبهُ الله وقدَّرهُ لهم، ولو أنَّهم إلى جانب أخذهم بالأسباب حققوا التوكل على الله سبحانه بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم، مع أدنى وأصغر سببٍ. كما يَسوق للطيور أرزاقها، بمجردِ الغدو والرواح وهو سعيٌ للرزقِ يسير، ولذلك على المسلم أن يتذكر أموراً ثلاث، وهي:
    • ليس هناك تعارضٌ بين التوكّلِ والأخذ بالأسباب.
    • يجب على المسلم الأخذ بالأسباب، وإن كانت في نظرهِ ضعيفة في نفسها أو ليس لها تأثيرٌ، فهذه السيدة مريم عندما أراد الله سبحانه أن يُطعمها، أمرها سبحانه بهزِ جذعِ النخلةِ، فأخذت بالأسبابِ رغم ضعفها، روى معاذ بن جبل فقال: (كنتُ ردفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على حمارٍ يقال له عفيرٌ، فقال: يا معاذُ، هل تدري حقَّ اللهِ على عبادِه، وما حقُّ العبادِ على اللهِ. قلت: اللهُ ورسولهُ أعلمُ، قال: فإنَّ حقَّ اللهِ على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذبَ من لا يشرك به شيئًا. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أفلا أبشر به الناسَ؟ قال: لا تبشِّرهم فيتَّكلوا).[١٢]
    • عدم الاعتماد بشكلٍ أساسي وقاطعٍ على الأسباب فقط، وإنَّما يعتمدُ المسلمُ في البداية والنهاية على الله سبحانه، مع أخذهِ بالأسباب، فالله يُقدّر الأمور بأسبابها.
  • يتحقق التوكل بمعرفةِ المسلم أنَّ بتوكلهِ هذا ينالُ رضا الله سبحانه ومحبته، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)،[١٣] ويُجازى المتوكل بالجنة، والتي هي أسمى أماني المؤمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ*الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).[١٤]
  • يتحقق التوكل بشعور العبد بضعفهِ، وفقرهِ، وحاجته لله سبحانه وتعالى، فمهما بلغ من أسباب القوة يبقى ضعيفاً، ويحتاج إعانة الله له في أمور حياته، وفي التغلب على مصائبهِ، وكروبهِ، قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا).[١٥]


التوكل على الله يجلب الرزق

التوكل على الله يجلب للمسلم الرزق الكثير، فهو يعلم أنَّه لا يضرُّ ولا ينفعُ إلا الله سبحانه، ولا يُعطي ولا يَمنع إلا الله سبحانه، فيتوكل عليه، ويأخذ بالأسبابِ التي تُعينه على ذلك.[١٦]

عن عمر بن الخطاب عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو أنكم تتوكّلونَ على اللهِ حقَّ توكلهِ، لرزقكُم كما يرزقُ الطيرُ، تغدُو خماصًا، وتروحُ بطانا)،[١٧] يُعتبر هذا الحديث الشريف أصلاً في التوكل، وهو من أعظم الأسباب في جلب الرزق، وفي حديث عبد الله ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (من سرَّه أنْ يكونَ أقوى الناسِ فلْيتوكلْ على اللهِ).[١٨]


فلو أنَّ العبد حقق التقوى والتوكل، وأخذ بالأسبابِ، في كل شأنه، فإن أمور حياته الدنيا والآخرة تتحقق بسهولةٍ ويُسرٍ له، فكم من عبدٍ فوّض أمره لله كفاه الله ما أهمه.[١] قال الله عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).[١٩]


صور من التوكل على الله

  • توكل النَّبي -عليه الصلاة والسلام- عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينةِ المنورة، وكانت قريش تتبع أثر الرسول وصاحبه أبي بكر. قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ حدَّثه قال: نظرتُ إلى أقدامِ المشركين على رؤوسِنا ونحن في الغارِ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدمَيه أبصَرَنا تحت قدمَيه. فقال: يا أبا بكرٍ، ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثُهما)،[٢٠] وفي ذلك يقول تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[٢١]
  • توكُل نوح عليه السلام عندما دعا قومه لعبادة الله وحده، فكذّبوه. قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ).[٢٢]
  • توكُل الرسول وأصحابه على الله عندما مرَّ ركبٌ، وهم بحمراء الأسد، وأخبرهم بأنَّ أبا سفيان جمع لهم، فقالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).[٢٣]


المراجع

  1. ^ أ ب زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) (1422هـ - 2001م)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 498، جزء 2.
  2. ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (1423هـ - 2003م)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (الطبعة الثانية)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 409، جزء 9.
  3. سورة الفرقان، آية: 58.
  4. سورة الشعراء، آية: 217.
  5. سورة آل عمران، آية: 122.
  6. شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (1417 هـ - 1997 م)، شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة - الرياض: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 3340، جزء 10.
  7. سورة البقرة، آية: 197.
  8. سورة التوبة، آية: 51.
  9. سورة النساء، آية: 71.
  10. سورة الأنفال، آية: 60.
  11. سورة الجمعة، آية: 10.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2856، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
  13. سورة آل عمران، آية: 159.
  14. سورة العنكبوت، آية: 58-59.
  15. سورة النساء، آية: 81.
  16. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي ( 1387 هـ)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 272، جزء 21.
  17. رواه البغوي، في شرح السنة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 7/328، خلاصة حكم المحدث: حسن.
  18. رواه محمد جار الله الصعدي، في النوافح العطرة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 384، خلاصة حكم المحدث: حسن.
  19. سورة الطلاق، آية: 2-3.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 2381، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
  21. سورة التوبة، آية: 40.
  22. سورة يونس، آية: 71.
  23. سورة آل عمران، آية: 173-174.
1,788 مشاهدة