قصيدة لإبراهيم بن قيس
الصبر يبلغني المامول والجلد
- والطيش يبعدني عن ذاك والخرد
والصدق يعقبني ما دمت قائله
- مجداً ويدحضني ما قلته الفند
والخير قد علمت نفسي وحق لها
- بأن مطلبه بالكره منعقد
والدهر ما ابتهجت نفس لزهرته
- إلا وحل بها من صرفه نكد
والناس لو علموا فضل الجهاد إذا
- لم يلههم ولد عنه ولا تلد
يا جاهلاً بأمور الناس كف ولا
- يغررك لين ثياب القز والرغد
كم شاحب خشن الأثواب همته
- دون السماء وفوق النجم يتقد
قد راح منتصراً للدين عن نية
- يرضى له وله جمعاً بها الصمد
لا كالذي سلبت دنياه مهجته
- يزهو إذا سطعت أثوابه الجدد
من لم تنطه إلى العلياء همته
- عند الشراء فذاك العاجز البلد
نحن الذين إذا ما قام قائمنا
- بالحق يرتعش الغاوون وارتعدوا
نحن الشراة ومن نسل الشراة على
- نهج السبيل وما في ديننا أود
أهل الحقيقة مذ كنا محكمة
- ما من زمان مضى إلا لنا قود
قد مات أولنا مستشهدين وفي
- ما حاول الشهداء الغيظ والحسد
فاللّه يوطئنا في الحق أثرهم
- واللّه يوردنا الأمر الذي وردوا
هل من فتى حدث يسخو بمهجته
- مع إخوة غضبو اللّه واحتشدوا
أو من فتى نجد شهم الفؤاد رأى
- هضم الضعيف بها ناطت به البعد
يا صاحبيّ قفا واستخبرا وسلا
- أين الكرام وأين الاخوة الودد
أين الذين حكوا بالأمس أنهم
- للحق إن نشرت راياتهم عمد
ما بالهم نهضوا أيامخ عزتّه
- حتى إذا كثرت أعداؤه قعدوا
فالمؤمنون إذا ما أوعدوا صدقوا
- أو عاهدوا ذا العلا أوفوا بما عهدوا
لا تحمد الفضلا في السلم إن صبروا
- لكن إذا صبروا عند البلا حمدوا
ولا الذي سمحت في الخصب مهجته
- إن عاق سائله عند الغلا صدد
لو أنهم نهضوا للحرب واعتصبوا
- للدين واعتصموا باللّه لانتجدوا
لكنهم نسلوا من تحت معرضة
- والجور منتشر نيرانه تقد
فاللّه حافظه واللّه مانعه
- واللّه ناصره واللّه ملتحد
حسبي به سنداً حسبي به عضداً
- حسبي به صمداً إن غالني عند
وعصبة نجُدٍ من مالكٍ خضعت
- من خوفها عرصات الغور والنجد
قد قال في مثله من قبلنا رجل
- ذو فطنة لمليح الشعر منتقد
من كان ذا عضد يدرك ظلامته
- إن الضعيف الذي ليست له عضد
قل للذين عتوا عن أمر ربهم و
- للذين على العصيان قد مردوا
ألم يكن لكم توب ومعذرة
- عن كل ما قد مضى من فعلكم حصد
لا تحسب السفها أني خلقت سدى
- لا والذي خضعت من خوفه الجدد
لا بد أن تلتقي الأبطال صائحة
- حتى يبين بها الرعديد والنجد
لا بد من لمم تلقى ومن جثث
- يثيرها بصحارى الصحصح الأسد
إني امرؤ كلف بالحرب ما بقيت
- نفسي وما سلمت لي في الزمان يد
إني إذا خطرت تحتي مسوّمة
- مثل السراة إذا تمشي وتطرد
في جحفل كسواد الليل معتكر
- طاش السفيه كما لا يثبت الزند
لهفي على رجل في حضرموت حكى
- أن العباد لهم مذ كانت البلد
لو كان في ملكهم فخر ومكرمة
- ما ناله منهم في عصرنا أحد
لكنها دول الأنجاس منتنة
- قد صاننا عن ذراها الماجد النجد
حقاً لقد منحوا صبري فلم يجدوا
- إلا فتى نجداً لولاهم جحدوا
هذا الخطاب وهذا الفصل يقطعه
- ضرب المفارق أولا تسلم الغمد
إن السيوف إذا ما حكمت حكمت
- لا كالقضاة إذا ما حكموا ضهدوا
وهاكها كسيوف الهند دامغة
- هام العصاة ادّراها هاجس كمد
لم تلهه عن طلاب الحق كاعبة
- هضما الوشاح ولا مال ولا ولد
يرجو النحاة ومن جلت رجيته
- في اللّه أو خافه لم يخطه الرشد
ثم الصلاة على المختار سيدنا
- طول الحياة إِلى أن ينفد الأمد
شعر للمتنبي
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
- فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ
- كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري
- صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا
- كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ
- وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ
- وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني
- ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
- وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ
- على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
الرأي قبل شجاعة الشجعان للمتنبي
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ
- هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ
- بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ
- بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ
- أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ
- أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ
- لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى
- أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى
- أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه
- أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ
- ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ
- إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ
- في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى
- فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ
- فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ
- كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ
- يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً
- يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ
- يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ
- تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ
- وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ
- وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ
- عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا
- تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ
- من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى
- رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ
- ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم
- مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ
- أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً
- وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ
- وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا
- وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا
- يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها
- فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى
- ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا
- جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا
- يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً
- بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ
- آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ
- شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ
- كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ
- فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم
- فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني
- فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ
- كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ
- مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ
- قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا
- أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ
- أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي
- وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
حكم شعرية متنوعة
- يقول نور الدين السالمي:
الصدق قل وذر الكذب
- فالصدق ينجي في العقب
والحــق فانشـره ولا
- تخشى الدوائر تنقلب
ما قد مضى سيكون إن
- هبت الفنا أو لم تهب
قل للذي في زعمه
- أبدى النصائح ويك هب
إن الذي خوفتني
- إياه أمر لم يهـــب
خوفتني ما ليس عنـ
- ـه مهرب ممن هرب
الموت أخشى وهو في
- كل الورى حقا وجب
الموت أولى من حيا
- ة في المذلة والتعب
الموت عند الحر أحلـ
- ـى من دني يرتكب
فاركب من العلياء بالـ
- ـعزمات أعلى مرتكب
- يقول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا
- وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ
- ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ
- ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا