ينتهي فصل الشتاء ببرده القارص، وأمطاره الغزيرة، وعواصفه الكثيرة، ويأتي فصل الربيع ببهائه، ويشرق علينا جماله، ونرى السماء قد بدأت صفحتها زرقاء صافية، والشمس أرسلت على الأرض أشعتها الذهبية، لا يحجبها غيم، ولا يعترض طريقها سحاب أو ضباب، وترى الجو وقد خف برده، وذهبت أمطاره، واعتدل هواؤه، وفرح الناس، وعلت البسمة وجوههم، ودب النشاط فيهم، وخرجوا إلى أعمالهم في مرح وابتهاج، واخضرّت أوراق الشجر، وتفتحت الأزهار، وعطرت الجو بشذاها، والطيور خرجت من أعشاشها، تتنقل فوق الغصون، وتغرد بأعذب الألحان، ونرى الأرض اتخذت زينتها، واخضرّ وجهها، ونضجت بعض غلاتها، فهب الفلاحون لجمعها وحصادها.
الناس في انتظار عيد شم النسيم، ففيه فرحتهم، وتكتمل بهجتهم وحريتهم، فتراهم يخرجون ومعهم اطفالهم إلى الحقول والحدائق مبكرين، ويسيرون على قنوات المياه فرحين، يستمتعون بجمال الأزهار وقد تنوعت ألوانها وفاح عبيرها، وانتشر شذاها ويطربون لشقشقة العصافير، وتغريد البلابل، وخرير المياه، ويجلسون تحت الأشجار إذا علت الشمس وانتصف النهار، ليتناولوا ما يلذ لهم من الطعام والشراب، ويأخذون فترة من الراحة، ويستأنفون بعدها مرحهم وفرحتهم بجمال الطبيعة من حولهم، حتى إذا أذنت الشمس بالمغيب جمعوا شتاتهم، وعادوا إلى بيوتهم، وقد صفت نفوسهم، وصحت أبدانهم، وسعدوا بيوم الطبيعة الجميل وعيدها المشرق، وذلك بوجود المهرجان السنوي، وعيد يأتي في فصل الربيع.
عيد شم النسيم مرتبط بالمصريين، يحتفلون به كل سنة بزيارة أماكن المتنزهات، وبتلوينهم للبيض، وأكلهم الفسيخ، وهذا العيد هو العيد القديم لدى المصريين، وهومن أعياد الفراعنة القدامى الذين بدأوا الاحتفال به منذ أكثر من 2700 عام قبل الميلاد، وأخذه عنهم بنو إسرائيل ووصل للأقباط إلى يومنا هذا.
ارتبط هذا العيد بالظواهر الفلكية والطبيعية في الحياة، وهو اليوم الذي يحتفل الناس به، لذا فهو يسمى عيد الربيع، والذي يكون في اليوم الأول لفصل الربيع؛ أي اليوم الأول الذي يتساوى فيه الليل مع النهار، وأطلق الفراعنة عليه قديماً اسم عيد شموس؛ أي العيد الذي تبعث فيه الحياة، ونلاحظ أن اسمه في يومنا هذا مرتبط بنسيم الربيع الذي يعلن بداية هذا الفصل الجميل.
تشترك في هذا المهرجان الطوائف المختلفة، ومن مظاهره أن يخرج الناس إلى المتنزهات، والحدائق، وأماكن الترفيه، ويحضرون معهم أنواعاً معينة من الأطعمة الخاصة بهذا العيد، من السمك المملح، والبصل، والحمص الأخضر، والخس، والبيض الذي يعد من أهم الأطعمة الخاصة في هذا العيد، والذي يعتبر لديهم رمزاً للحياة، والخلق، والبعث، والخصب، وهم ينقشون عليه أمانيهم ودعواتهم، كما يضعون هذا البيض الملون في سلال مصنوعة من النخيل ويعلّقونها، حتى تحصل على بركات إله النور لديهم.