مدح السيدة عائشة
حصانٌ رزانٌ ما تزنُّ بريبة
- وتُصْبِحُ غَرْثَى من لحومِ الغوَافِلِ
حليلة ُ خيرِ الناسِ ديناً ومنصباً،
- نبيِّ الهُدى ، والمَكرُماتِ الفِوَاضِلِ
عقيلة ُ حيٍّ من لؤيّ بنِ غالبٍ،
- كرامِ المساعي، مجدها غيرُ زائلِ
مهذبة ٌ قدْ طيبَ اللهُ خيمها،
- وطهرها من كلّ سوءٍ وباطلِ
فإن كنتُ قد قلتُ الذي قد زعمتمُ،
- فَلا رَفَعَتْ سَوْطي إليّ أنامِلي
وإنّ الذي قدْ قيلَ ليسَ بلائق
- بها الدهرَ بل قولُ امرىء ٍ بيَ ماحلِ
فكَيْفَ وَوُدّي ما حَيِيتُ ونُصرَتي
- لآلِ نبيّ اللهِ زينِ المحافلِ
لهُ رتبٌ عالٍ على الناسِ كلهمْ،
- تقاصرُ عنهُ ثورة ُ المتطاولِ
رأيتكِ، وليغفرِ لكِ اللهُ، حرة ً
- من المُحصنَاتِ غيرَ ذاتِ غوَائِلِ[١]
عواذل ذات الخال في حواسد
عواذِلُ ذاتِ الخالِ فيّ حواسِدُ
- وإنّ ضجيعَ الخَودِ منّي لماجِدُ
يَرُدّ يداً عن ثَوبِهَا وهو قادِرٌ
- ويعصي الهوى في طيفِها وهو راقِدُ
متى يشتفي من لاعجِ الشّوقِ في الحشا
- مُحِبٌّ لها في قُربِه مُتباعِدُ
إذا كنتَ تخشى العارَ في كلّ خَلوَةٍ
- فَلِمْ تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ
ألَحّ عَليّ السّقْمُ حتى ألِفْتُهُ
- وَمَلّ طَبيبي جانِبي وَالعَوائِدُ
مَرَرْتُ على دارِ الحَبيبِ فحَمْحمتْ
- جَوادي وهل تُشجي الجيادَ المعاهدُ
وما تُنكِرُ الدّهْمَاءُ مِن رَسْمِ منزِلٍ
- سَقَتها ضَريبَ الشَّوْلِ فيهِ الوَلائِدُ
أهُمّ بشَيْءٍ واللّيَالي كأنّهَا
- تُطارِدُني عَنْ كَوْنِهِ وَأُطارِدُ
وَحيدٌ مِنَ الخُلاّنِ في كلّ بَلْدَةٍ إذا
- عَظُمَ المَطلُوبُ قَلّ المُساعِدُ
وتُسعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمْرَةٍ
- سَبُوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدْرِ الطّعانِ كَأنّمَا
- مَفَاصِلُهَا تَحْتَ الرّماحِ مَرَاوِدُ
وَأُورِدُ نَفْسِي والمُهَنّدُ في يَدي
- مَوَارِدَ لا يُصْدِرْنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِنْ إذا لمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كفَّهُ
- على حَالَةٍ لم يَحْمِلِ الكَفَّ ساعِدُ
خَليلَيّ إنّي لا أرَى غيرَ شاعِرٍ
- فَلِمْ منهُمُ الدّعوَى ومني القَصائِدُ
فَلا تَعْجَبَا إنّ السّيُوفَ كَثيرَةٌ
- وَلكِنّ سَيفَ الدّوْلَةِ اليَوْمَ واحِدُ
لهُ من كَريمِ الطبعِ في الحرْبِ مُنتضٍ
وَلمّا رَأيتُ النّاسَ دونَ مَحَلِّهِ
- تَيَقّنْتُ أنّ الدّهْرَ للنّاسِ نَاقِدُ
أحَقُّهُمُ بالسّيْفِ مَن ضَرَبَ الطُّلى
- وَبالأمْنِ مَن هانَتْ عليهِ الشّدائدُ
وَأشقَى بلادِ الله ما الرّومُ أهلُها
- بهذا وما فيها لمَجدِكَ جَاحِدُ
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى تَرَكْتَها
- وَجَفنُ الذي خَلفَ الفَرنْجةِ ساهِدُ
مُخَضَّبَةٌ وَالقَوْمُ صَرْعَى كأنّهَا
- وَإنْ لم يكونوا ساجِدينَ مَساجِدُ
تُنَكّسُهُمْ والسّابِقاتُ جِبالُهُمْ
- وَتَطْعَنُ فيهِمْ وَالرّماحُ المَكايدُ
وتَضربهم هبراً وَقد سكنوا الكُدَى
- كما سكَنَتْ بطنَ الترابِ الأساوِدُ
وتُضحي الحصون المشمخرّاتُ في الذرَى
- وَخَيْلُكَ في أعْنَاقِهِنَّ قَلائِدُ
عَصَفْنَ بهمْ يَوْمَ اللُّقَانِ وَسُقنَهم
- بهِنريطَ حتى ابيَضّ بالسبيِ آمِدُ
وَألحَقنَ بالصّفصَافِ سابورَ فانهَوَى
- وَذاقَ الرّدَى أهلاهُما وَالجَلامِدُ
وَغَلّسَ في الوَادي بهِنّ مُشَيَّعٌ
- مُبارَكُ ما تحتَ اللّثَامَينِ عابِدُ
فَتًى يَشْتَهي طُولَ البلادِ وَوَقْتُهُ
- تَضِيقُ بِهِ أوْقاتُهُ وَالمَقَاصِدُ
أخُو غَزَواتٍ مَا تُغِبُّ سُيُوفُهُ
- رِقابَهُمُ إلاّ وَسَيْحانُ جَامِدُ
فلَم يَبقَ إلاّ مَنْ حَمَاهَا من الظُّبى
- لمَى شَفَتَيْها وَالثُّدِيُّ النّوَاهِدُ
تُبَكّي علَيهِنّ البَطاريقُ في الدّجَى
- وَهُنّ لَدَينا مُلقَياتٌ كَوَاسِدُ
بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَا،
- مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ
وَمن شرَفِ الإقدامِ أنّكَ فيهِمِ
- على القَتلِ مَوْمُوقٌ كأنّكَ شَاكِدُ
وَأنّ دَماً أجرَيْتَهُ بكَ فَاخِرٌ
- وَأنّ فُؤاداً رُعْتَهُ لكَ حَامِدُ
وَكلٌّ يَرَى طُرْقَ الشّجاعَةِ والنّدى
- وَلكِنّ طَبْعَ النّفْسِ للنّفسِ قائِدُ
نَهَبْتَ منَ الأعمارِ ما لَوْ حَوَيْتَهُ
- لَهُنّئَتِ الدّنْيَا بأنّكَ خَالِدُ
فأنْتَ حُسامُ المُلْكِ وَالله ضَارِبٌ
- وَأنْتَ لِواءُ الدّينِ وَالله عَاقِدُ
وَأنتَ أبو الهَيْجا بنُ حَمدانَ يا ابنهُ
- تَشَابَهَ مَوْلُودٌ كَرِيمٌ وَوَالِدُ
وحَمدانُ حمدونٌ وَحمدونُ حارثٌ
- وَحارِثُ لُقْمانٌ وَلُقْمَانٌ رَاشِدُ
أُولَئِكَ أنْيابُ الخِلافَةِ كُلُّهَا
- وَسَائِرُ أمْلاكِ البِلادِ الزّوائِدُ
أُحِبّكَ يا شَمسَ الزّمانِ وبَدْرَهُ
- وَإنْ لامَني فيكَ السُّهَى والفَراقِدُ
وَذاكَ لأنّ الفَضْلَ عندَكَ بَاهِرٌ
- وَلَيسَ لأنّ العَيشَ عندَكَ بارِدُ
فإنّ قَليلَ الحُبّ بالعَقْلِ صالِحٌ
- وَإنّ كَثيرَ الحُبّ بالجَهْلِ فاسِدُ[٢]
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ
- وتأتي على قدرِ الكِرامِ المكارمُ
وتعظُمُ في عينِ الصّغيرِ صغارُها
- وتصغُرُ في عين العظيمِ العظائِمُ
يُكلّفُ سيفُ الدّولةِ الجيشَ همّهُ
- وقد عجزتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه
- وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ
- نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ
- وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها
- وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
- فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا
- وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ
- وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا
- على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ
تُفيتُ اللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ
- وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعاً
- مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ
وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها
- وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ
- فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ
- سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ
- ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ
- وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ
- فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ
- فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ
تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا
- وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
- كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
- وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى
- إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً
- تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ
- وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها
- وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
- مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ
- كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ
تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى
- وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا
- بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ
إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا
- كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ
أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ
- قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ
أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ
- وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ
وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ
- وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ
مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى
- لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ
- على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ
يُسَرّ بمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ
- وَلكِنّ مَغْنُوماً نَجَا منكَ غانِمُ
وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ
- وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ
تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ
- وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ
- فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ
وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى
- فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ
عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ
- إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ
ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً
- وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى
- وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ
وَلِم لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى
- وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ[٣]
المراجع
- ↑ "مدح السيدة عائشة"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
- ↑ "عواذل ذات الخال في حواسد"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 8-2-2019.
- ↑ المتنبي - أحمد بن حسين الجعفي المتنبي أبو الطيب، كتاب ديوان المتنبي، صفحة 385.