جاءت رسالة الإسلام بقيم الرحمة والعدل الإلهي، فخاطبت المؤمنين بخطاب يخصّهم بالعمل الصالح، وإخلاص العبودية لله، سبحانه، وتفاصيل كثيرة تتعلّق بمظاهر هذه العبودية ومضامينها، وخاطبت النّاس كل النّاس بخطاب يخصهم ويناسبهم، واقتضت الرحمة الإلهية والعدل الرباني، أن يلاقي العاملون المخلصون في عملهم المندرج في سياق العبودية لله عز وجل جزاء عملهم في الدنيا ويوم القيامة كذلك، قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى" ( آل عمران: 195).
هناك مظاهر وصور لجزاء العاملين في الدنيا منها: التوفيق والسداد حيث يوفق الله العملين لدينه في عملهم الدنيوي والأخرويّ على حد سواء، وذلك في ميادين متنوّعة ومتعددة منه وكذلك الشعور بالطمأنينة وراحة النفس، والتي تعدّ ثماراً طيبة يقذفها الله سبحانه في قلوب العاملين لدينه، حيث يأمنّون يوم يفزع الناس، ويسعدون يوم يشقى النّاس، ولا يقلقون يوم يضطرب ويقلق النّاس، ومنها أيضاً بركة الرزق، حيث يبارك الله لهم في أعمالهم وأشكال رزقهم، وإن قلّ دخلهم، فيقوون به على التغلب على محن الدنيا ومصائبها وكذلك التغلب على الهموم والأحزان، حيث تمر بالعاملين هموم متعددة وأحزان ومحن متنوّعة، فيتغلبون عليها بقوة جذوة إيمانهم المتوقّدة في قلوبهم التي تحيل هذه الهموم والمحن إلى منح تتوالى وتتابع، وهذا ما نجده في حديث صهيب بن سنان عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: "عجباً لأمرِ المؤمنِ، إنّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إنْ أصابته سرّاءُ شكرَ، فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضرّاءُ صبر، فكان خيراً له"، ولا ننسى ما يتحقّق من أنس الناس بهم ومحبتهم لهم، فهذه قيمة وأجر وجزاء عظيم أيضاً.
يوم القيامة والذي تبدأ منازله الأولى من القبر ونعيمه وعذابه، هناك مظاهر متعدّدة ومتنوعة لجزاء العاملين، منها التخفيف عنهم من عذاب القبر جراء صدقهم وإخلاصهم، ومغفرة الله لهم ذنوبهم يوم القيامة يوم يقفون للحساب، وفوزهم ونجاتهم من صور ومشاهد يوم القيامة المتعددة والمتنوعة، وَيُتَوّجُ هذا الجزاء العظيم، باستحقاقهم رضى الله والفوز والخلود في جنته.
إزاء كل ذلك من رحمة الله بعباده وأوليائه، ومجازاته على العمل الطيب أحسن الجزاء، فواجب المؤمن أن يتلمس خطى سيره باستمرار، وينظر موطئ قدمه، فيقف أمام نفسه دائماً محاسباً مستزيداً من كلّ عمل طيب، مسارعاً إليه، منافساً فيه ومزاحماً، ليأخذ وصف العاملين المستمرين في العمل، والثابتين والمزاحمين عليه، حيث يعلم علم اليقين أنّ له ربّ عادل رحيم، يجازيه على الإحسان إحساناً ولن يخذله في ميادين العمل فينطلق وشعاره الخالد (وسارعوا).