الكرامة الإنسانية
تقر القوانين والأنظمة الدولية حقوق إنسانية لجميع الأفراد في مختلف أنحاء العالم، مهما اختلفت ثقافاتهم، وأعراقهم، وأجناسهم، وتعتبر هذه الحقوق أساسيّة لا يجوز المسّ بها أو حرمان الإنسان منها فهي كلية ومتساوية بين جميع أفراد الشعوب، فالإنسان بحاجة إلى التخلّص من التمييز العنصري بكافّة أشكاله وطرقه، وضرورة مكافحة حالات ظلم المرأة، وانتهاك حقوق الأطفال في المجتمعات، فالجميع بحاجة إلى حقوق مدنيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة، ومن أهمّ هذه الحقوق هو حق الكرامة الإنسانيّة.
الكرامة الإنسانية في ضوء المبادئ الإسلاميّة
يقرّ الدين الإسلامي أنّ الله عز وجل أعطى الإنسان كرامة إنسانية لم يعطها دين آخر له، فاعتبر أنّ نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم من أجل تبليغ البشرية الرسالة الإسلامية وإنقاذهم من الظلمات إلى النور شكل من أشكال الكرامة الإنسانية التي حظي بها الفرد المسلم، ولقد أكّدت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة على كرامة الفرد، وأنّ أساس التفاضل بين الناس التقوى وليس التمييز العرقي أو الجنسي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم لآدم وآدم من تراب) وقال أيضاً في حديث آخر: (لا فضل لعربيّ على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).
لقد أكّدت المبادئ الإسلامية على الكرامة الإنسانية، حيث اعتبرت الإنسان خليفة الله عزّ وجل في الأرض، وأنّه صاحب أمانة حيث تتمثل في عمران الأرض، وإقامة العدل، والحكم بالقسط، واحترام البشر بعضهم البعض وعدم ظلمهم، وعبادة الله وحده الذي لا شريك له والتحرر من العبودية للأشخاص، أو الأموال، أو المصالح الدنيوية الزائلة.
شملت الكرامة الإنسانية الإسلامية جميع البشر وليس فئة المؤمنين فقط، كما جاء في قوله تعالى: (ولقد كرَّمنا بني آدم)[الإسراء:70] فالآية تشير إلى تكريم بني آدم وليس فئة خاصّة من البشر، والمفهوم الإسلاميّ للكرامة يؤكد أنّ الإنسان خلق مكرماً منذ الجبلة الأولى ولا يجوز لأحد أن يسلبه هذه الكرامة بغض النظر عن سلطته وقوته في المجتمع.
الكرامة الإنسانية في الدساتير المجتمعية
تتداول المحافل الدوليّة والثقافية وهيئات المجتمع المدنية والسياسية مصطلح الكرامة الانسانية، وقد ذكرت الدساتير في العديد من نصوصها أهمية الكرامة ومدى ارتباطها بحقوق الأفراد، وضرورة حماية كرامتهم بدون أي مقابل، فيعتبر الدستور أن كرامة الإنسان المجرم تساوي كرامة الإنسان العادي، وكرامة الملك، والحاكم، والقاضي هي نفسها كرامة الفلاح، والعامل، والموظف، والشرطي فلا يجوز لشخص سلب هذا الحق من شخص آخر؛ لأن البشر جميعهم لهم نفس الكرامة الانسانية، وبمعنى أكثر تفصيلاً وعمقاً ترى الدساتير أن الكرامة هي حماية نفس وجسد ومال الإنسان من الانتهاك أو الاحتقار أو السرقة أو التعذيب وما شابه ذلك.
يُعتَبر الإيرلنديون أوّل من أدخل مصطلح الكرامة الإنسانية إلى الدستور عام 1937م، حيث كُتب في الفقرة الأولى من المادة الأولى من الدستور الألماني عبارة (كرامة الإنسان هي أمر لا يمس به، يجب احترامها وحمايتها وهي واجب كل سلطات الدولة)، بمعنى أن الألمان جعلوا كرامة الإنسان حق للمواطن وواجب على الدولة تجاهه يجب عدم المساس به.