المعارك الحروب
منذ القدم وإلى الآن الصراع مستمر بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، والتوحيد والكفر والشرك، والغلبة والنصر دائماً وأبداً حليف الحق وأصحابه، وأحياناً لحكمة يعلمها الله عزّ وجل يكون حليف الأقوى، والنصر الأكبر للفائز يوم القيامة حتى ولو غُلِب في الحياة الدنيا، وأسباب الحرب والعداء كثيرة؛ فمنها الحروب الطائفية والدينية، والحروب من أجل احتلال الأرض والبلاد، والسيطرة عليها، ونهب خيراتها ومواردها.
في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت الحرب والمعارك على أشدّها بين الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم رسولنا الكريم، وبين الكفر وأعداء الدين، والكفار بذلك أعلنوا الحرب على الله عزّ وجل، بإنكار وجوده ومحاربة رسوله، وعدم قبول دعوته، فالويل والخسران لهم وحدهم في الدنيا والآخرة، وقد قاتلهم الرسول الكريم في عدة مواقع ومعارك، فمنها التي شارك بها، وقاتل مع المسلمين فيها وتُسمى بالغزوة، كغزوة أحد وبدر، وحنين والخندق، ومنها التي لم يشارك فيها وتُسمى السريّة كمعركة مؤتة، والتي كانت مختلفةً عن سابقاتها؛ إذ إنّها هذه المرّة بين المسلمين والنصارى.
معركة مؤتة
وقعت في زمن رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم في شهر جمادى الأولى، من السنة الثامنة بعد الهجرة، الموافق للعام الميلادي ستمائة وتسع وعشرين، ومؤتة مدينة تقع في بلاد الشام، و بالأخص جنوبي محافظة الكرك، والتي تقع في الجنوب من المملكة الأردنية الهاشمية.
أسباب معركة مؤتة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم، الحارث بن عمير الأزدي، ليوصل رسالته إليه، ويدعوه لدخول الإسلام واعتناقه، وفي الطريق وقبل وصوله قام أحد عمال الملك بالقبض على الحارث وقتله، فبلغ ذلك رسول الله واشتدّ غضبه؛ فالرسول آنذاك لا يقتل، ولو تمّ قتله فهو أمر أشدّ من الحرب وأشنع، فأعدّ رسولنا الكريم العدة، وجهّز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل ليذهبوا إلى مكان مقتل الحارث، ويدعوا أهله للإسلام، فإن أبوا ورفضوا فالقتال، وجعل قائد ذلك الجيش زيد بن حارثة، وإن استشهد فمن بعده جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة.
سار الجيش بقيادة زيد بن حارثة، وفي هذه الأثناء عَلِم الروم بالأمر، وأعدّوا جيشاً من مئتي ألف مقاتل، فعدد العدو كبير أمام جيش المسلمين، ولكن بإيمانهم بالله عزّ وجل، وتأكّدهم بأنّ النصر من عنده وحده، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وثباتهم على الحق، ساروا متوكلين على الله، فمكث المسلمون في مؤتة، وبدأ جيش العدو يزحف إليهم، حتى التقوا وتلاحم الصفان، ودارت رحى معركة من أشد المعارك وأدماها، وانتهت بقتل العدد الكبير من الروم، وعودة المسلمين إلى المدينة بخسائر قليلة، فقد قتل منهم اثنا عشر رجلاً فقط.