تحليل قصيدة تموز جيكور

كتابة - آخر تحديث: ٢١:١٨ ، ١٢ مايو ٢٠١٤
تحليل قصيدة تموز جيكور

تحليل قصيدة تموز جيكور


بدر شاكر السياب من أهم شعراء العراق بل ومن أهم شعراء الوطن العربي ، ولد عام 1926 وتوفي عام 1964 ويعد من مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي .

ولد في قرية جيكور في مدينة أبو الخصيب وبعد أن قضى فيها طفولته ماتت أمه واضطر للإنتقال للبصرة لإستكمال دراسته والتي كانت عن اللغة العربية لحبه للشعر واللغة .

وقد عرف ميوله للسياسة ونزعته اليسارية كما كان له باعٌ طويلٌ في النضال لتحرير العراق من النفوذ الإنجليزي .

وقد دفع ثمن نضاله بأن فصل من وظيفته وأودع السجن واستمرت حياته في التنقل من مكان لآخر و من وظيفةٍ لأخرى ومن بلدٍ لبلد حتى عاد إلي وطنه ولم يهنئ حتى استقر في قريته الحبيبة جيكور والتي نظم فيها قصيدته تموز جيكور والتي نحن بصدد تحليلها الآن .


ناب الخنزير يشقّ يدي

و يغوص لظاه إلى كبدي

و دمي يتدفق ينساب

لم يغد شقائق أو قمحا

لكنّ ملحا

عشتار و تخفق أثواب

و ترف حيالي أعشاب

من نعل يخفق كالبرق

كالبرق الخلب ينساب

لو يومض في عرقي

نور فيضيء لي الدنيا

لو أنهض لو أحيا

لو أسقى آه لو أسقي

لو أن عروقي أعناب

و تقبل ثغري عشتار

فكأن على فمها ظلمة

تنثال علي و تنطبق

فيموت بعيني الألق

أنا و العتمة

,,,

جيكور ستولد جيكور 

النور سيورق و النور

جيكور ستولد من جرحي

من غصة موتي من ناري

سيفيض البيدر بالقمح

و الجرن سيضحك للصبح

و القرية دارا عن دار

تتماوج أنغاما حلوة

و الشيخ ينام على الربوة

و النخل يوسوس أسراري

جيكور ستولد لكنّي

لن أخرج فيها من سجني

في ليل الطين الممدود

لن ينبض قلبي كاللحن

في الأوتار

لن يخفق فيه سوى الدود


,,,,


هيهات أتولد جيكور

إلا من خضة ميلادي ؟

هيهات أينبثق النور

و دمائي تظلم في الوادي ؟

أيسقسق فيها عصفور

و لساني كومة أعواد ؟

و الحقل متى يلد القمحا

و الورد و جرحي مغفور

و عظامي ناضحة ملحا

لا شيء سوى العدم العدم

و الموت هو الموت الباقي

يا ليل أظلّ مسيل دمي

و لتغد ترابا أعراقي

هيهات أتولد جيكور

من حقد الخنزير المتدثّر بالليل

و القبلة برعمة القتل

و الغيمة رمل منثور

يا جيكور.


هذه القصيدة الشعرية الرائعة والتي يعبر فيها الشاعر بنظام السطر الشعري عن رؤيته الخاصة تجاه قريته جيكور ، وهي مأخوذة من ديوان الشاعر ( أنشودة المطر).


يتكون العنوان من كلمتين هما : تموز : وهو إله الخصب والحياة في الأسطورة البابلية قتله خنزير بري فنزل إلى العالم السفلي المظلم ، فماتت الطبيعة بموته ، فبدأت حبيبته عشتار في البحث عنه بدون جدوى ، فأدميت قدماها و نبتت مكان نقط الدم شقائق النعمان ثم نزلت إلى العالم السفلي حيث وجدته وقبلته ثم عاد إلى الحياة، و مع صعودهما إلى الأرض مرةً أخرى حل فصل الربيع . أما الكلمة الثانية فهي رمز للخصب الآخر في حياة الشاعر وهي جيكور قريته التي احتضنت طفولته وذكرياته .


يتخيل الشاعر أن الخنزير البري الذي قتل تموز نال منه أيضاً فسال دمه ، ولكنه دم لم ينبت شقائق النعمان ولكنه أنبت ملحاً ، بعد ذلك يتوجه بالخطاب إلى عشتار ويتمنى لو أنها تُقَبِّله ، وإن كانت قُبلتها مظلمة ، في المقطع الثاني يؤكد الشاعر أن جيكور ستولد من جرحه ومن غصة موته وستنبت الأرض قمحاً و تورق الطبيعة ويفرح الناس ، ولكنه سيبقى وحده حزيناً مسجوناً يخفق في قلبه الدود . في المقطع الثالث يتراجع الشاعر عن حلمه بميلاد جيكور ويتساءل مستنكراً: كيف لها أن تولد من جديد في وقت تظلم فيه دماء الشاعر في الوادي ، و تنضح عظامه بالملح .

1,654 مشاهدة