قصائد عن الأم للشاعر أحمد شوقي

كتابة - آخر تحديث: ٨:٠٠ ، ٢١ مارس ٢٠١٩
قصائد عن الأم للشاعر أحمد شوقي

أمي كانت إليه تغدو

أمي كانت إليه تغدو

إذا أنا طفل ولا تزال

ماذا ترى رشاد إن طلبتها

تُرى تردّني إذا خطبتها

إصغ لي أنت مثل ما تتمنى

زينب تجمع الغنى والجمالا


ردت الروح على المضنى معك

ردّت الروح على المضنى معك

أحسن الأيام يوم أرجعك

تَبعا كانت ورقَّا في النوى

وقليل للهوى ما أتبعك

إن يكن إثرك لم يهلك أسى

هو ملاك إليه أستشفعك

مر من بعدك ما روّعني

أتُرى يا حلو بُعدى روّعك

قمت بالبين وما جرعني

وحملت الشَّطر مما جرعك

كم شكوت البث يا ليل إلى

مطلع البدر عسى أن يُطلِعك

وبعثت الشوق في ريح الصَّبا

فشكا الحرقة مما أستودعك

لم تسل ما ليله ما ويله

وسألتُ الريح ماذا ضعضعك

مبدعا في الكيد والدل معا

لست أشكوك إلى من أبدعك

يا نعيمي وعذابي في الهوى

بعذولي في الهوى ما جَمَّعضك

بين عينيك وقلبي رحمة

نقلت عيناك لى ما أسمعك

أنت روحي ظلم الواشي الذي

زعم القلب سلا أو ضيّعك

موقعي عند لا أعلمه

آه لو يعلم عندي موقعك

نحن بانٌ ونسيم في الهوى

بك أغراني الذي بي أولعك

نحن في الحب الحميا والحيا

قد سقانيها الذي بي شعشعك

أرجفوا أنك شاك موجع

ليت بي فوق الضنى ما أوجعك

لو ترى كيف أستهلت أدمعي

لا رأت أمك يوما أدمعك

نامت الأعين إلا مقلة

تسكب الدمع وترعى مضجعك

وتحنت وتمنت أضلعي

لوفدت مما تلاقى أضلعك

بِيَ من جرحك ألف مثله

لا خلعُت السقم حتى يدعك

احتكم في الروح والمال وخذ

نور عينيَّ عسى أن ينفعك


يقال كانت فأرة الغيطان

يُقالُ كانَت فَأرَةُ الغيطانِ

تَتيهُ بِاِبنَيها عَلى الفيرانِ

قَد سَمَّتِ الأَكبَرَ نورَ الغَيطِ

وَعَلَّمَتهُ المَشيَ فَوقَ الخَيطِ

فَعَرَفَ الغِياضَ وَالمُروجا

وَأَتقَنَ الدُخولَ وَالخُروجا

وَصارَ في الحِرفَةِ كَالآباءِ

وَعاشَ كَالفَلّاحِ في هَناءِ

وَأَتعَبَ الصَغيرُ قَلبَ الأُمِّ

بِالكِبرِ فَاِحتارَت بِما تُسَمّي

فَقالَ سَمّيني بِنورِ القَصرِ

لِأَنَّني يا أُمُّ فَأرُ العَصرِ

إِنّي أَرى ما لَم يَرَ الشَقيقُ

فَلي طَريقٌ وَلَهُ طَريقُ

لَأَدخُلَنَّ الدارَ بَعدَ الدارِ

وَثباً مِنَ الرَفِّ إِلى الكَرارِ

لَعَلَّني إِن ثَبَتَت أَقدامي

وَنُلتُ يا كُلَّ المُنى مَرامي

آتيكُما بِما أَرى في البَيتِ

مِن عَسَلٍ أَو جُبنَةٍ أَو زَيتِ

فَعَطَفَت عَلى الصَغيرِ أُمُّه

وَأَقبَلَت مِن وَجدِها تَضُمُّه

تَقولُ إِنّي يا قَتيلَ القوتِ

أَخشى عَلَيكَ ظُلمَةَ البُيوتِ

كانَ أَبوكَ قَد رَأى الفَلاحا

في أَن تَكونَ مِثلَهُ فَلّاحا

فَاِعمَل بِما أَوصى تُرِح جَناني

أَو لا فَسِر في ذِمَّةِ الرَحمَنِ

فَاِستَضحَكَ الفَأرُ وَهَزَّ الكَتِفا

وَقالَ مَن قالَ بِذا قَد خَرِفا

ثُمَّ مَضى لِما عَلَيهِ صَمَّما

وَعاهَدَ الأُمَّ عَلى أَن تَكتُما

فَكانَ يَأتي كُلَّ يَومِ جُمعَه

وَجُبنَةٌ في فَمِهِ أَو شَمعَه

حَتّى مَضى الشَهرُ وَجاءَ الشَهرُ

وَعُرِفَ اللِصُّ وَشاعَ الأَمرُ

فَجاءَ يَوماً أُمَّهُ مُضطَرِباً

فَسَأَلتُهُ أَينَ خَلّى الذَنَبا

فَقالَ لَيسَ بِالفَقيدِ مِن عَجَب

في الشَهدِ قَد غاصَ وَفي الشَهدِ ذَهَب

وَجاءَها ثانِيَةً في خَجَلِ

مِنها يُداري فَقدَ إِحدى الأَرجُلِ

فَقالَ رَفٌّ لَم أصِبهُ عالي

صَيَّرَني أَعرج في المَعالي

وَكانَ في الثالِثَةِ اِبنُ الفارَه

قَد أَخلَفَ العادَةَ في الزِيارَه

فَاِشتَغَلَ القَلبُ عَلَيهِ وَاِشتَعَل

وَسارَتِ الأُمُّ لَهُ عَلى عَجَل

فَصادَفتهُ في الطَريقِ مُلقى

قَد سُحِقَت مِنهُ العِظامُ سَحقا

فَناحَتِ الأُمُّ وَصاحَت واها

إِنَّ المَعالي قَتَلَت فَتاها


أخذت نعشك مصر باليمين

أَخَذَت نَعشَكِ مِصرُ بِاليَمين

وَحَوَتهُ مِن يَدِ الروحِ الأَمين

لَقِيَت طُهرَ بَقاياكِ كَما

لَقِيَت يَثرِبٌ أُمَّ المُؤمِنين

في سَوادَيها وَفي أَحشائِها

وَوَراءَ النَحرِ مِن حَبلِ الوَتين

خَرَجَت مِن قَصرِكِ الباكي إِلى

رَملَةِ الثَغرِ إِلى القَصرِ الحَزين

أَخَذَت بَينَ اليَتامى مَذهَباً

وَمَشَت في عَبَراتِ البائِسين

وَرَمَت طَرفاً إِلى البَحرِ تَرى

مِن وَراءِ الدَمعِ أَسرابَ السَفين

فَبَدَت جارِيَةٌ في حِضنِها

فَنَنُ الوَردِ وَفَرعُ الياسَمين

وَعَلى جُؤجُئِها نورُ الهُدى

وَعَلى سُكّانِها نورُ اليَقين

حَمَلَت مِن شاطِئِ مَرمَرَه

جَوهَرَ السُؤدُدِ وَالكَنزَ الثَمين

وَطَوَت بَحراً بِبَحرٍ وَجَرَت

في الأُجاجِ المِلحِ بِالعَذبِ المَعين

وَاِستَقَلَّت دُرَّةً كانَت سَنىً

وَسَناءً في جِباهِ المالِكين

ذَهَبَت عَن عِليَةٍ صَيدٍ وَعَن

خُرَّدٍ مِن خَفِراتِ البَيتِ عين

وَالتَقِيّاتُ بَناتُ المُتَّقي

وَالآميناتُ بُنَيّاتُ الأَمين

لَبِسَت في مَطلَعِ العِزِّ الضُحى

وَنَضَتهُ كَالشُموسِ الآفِلين

يَدُها بانِيَةٌ غارِسَةٌ

كَيَدِ الشَمسِ وَإِن غابَ الجَبين

رَبَّةُ العَرشَينِ في دَولَتِها

قَد رَكِبتِ اليَومَ عَرشَ العالَمين

أُضجِعَت قَبلَكِ فيهِ مَريَمٌ

وَتَوارى بِنِساءِ المُرَسَلين

إِنَّهُ رَحلُ الأَوالي شَدَّهُ

لَهُم آدَمُ رُسلِ الآخَرين

اِخلَعي الأَلقابَ إِلّا لَقَباً

عَبقَرِيّاً هُوَ أُمُّ المُحسِنين

وَدَعي المالَ يَسِر سُنَّتَهُ

يَمضِ عَن قَومٍ لِأَيدي آخَرين

وَاِقذِفي بِالهَمِّ في وَجهِ الثَرى

وَاِطرَحي مِن حالِقٍ عِبءَ السِنين

وَاِسخَري مِن شانِئٍ أَو شامِتٍ

لَيسَ بِالمُخطِئِ يَومُ الشامِتين

وَتَعَزّي عَن عَوادي دَولَةٍ

لَم تَدُم في وَلَدٍ أَو في قَرين

وَاِزهَدي في مَوكِبٍ لَو شِئتِهِ

لَتَغَطّى وَجهُها بِالدارِعين

ما الَّذي رَدَّ عَلى أَصحابِهِ

لَيسَ يُحيِ مَوكِبُ الدَفنِ الدَفين

رُبَّ مَحمولٍ عَلى المِدفَعِ ما

مَنَعَ الحَوضَ وَلا حاطَ العَرين

باطِلٌ مِن أُمَمٍ مَخدوعَةٍ

يَتَحَدّونَ بِهِ الحَقَّ المُبين

في فَروقٍ وَرُباها مَأتَمٌ

ذَرَفَت آماقَها فيهِ العُيون

قامَ فيها مِن عَقيلاتِ الحِمى مَلَأٌ بُدِّلنَ مِن عِزٍّ بِهون

أُسَرٌ مالَت بِها الدُنيا فَلَم

تَلقَ إِلّا عِندَكِ الرُكنَ الرَكين

قَد خَلا بَيبَكُ مِن حاتِمِه

وَمِنَ الكاسينَ فيهِ الطاعِمين

طارَتِ النِعمَةُ عَن أَيكَتِه

وَاِنقَضى ما كانَ مِن خَفضٍ وَلين

اليَتامى نُوَّحٌ ناحِيَةً

وَالمَساكينُ يَمُدّونَ الرَنين

دَولَةٌ مالَت وَسُلطانٌ خَلا

دُوِّلَت نُعماهُ بَينَ الأَقرَبين

551 مشاهدة