ها هو العام الدراسي يرحل، ويستعد لإغلاق الأبواب وراء أيامٍ مضت، مضت بكلّ ما فيها من جدٍ وتعبٍ واجتهاد، مضت بحلوها ومرها، بموادها الدراسيّة الصعبة والسهلة، بمشاغبات الزملاء والأساتذة، مضت بكل ما فيها، وكأنّها ساعة من عمرنا، لم تأخذ منا إلا القليل، وكأن الأيام تريد أن تخبرنا أنّ العمر ما هو إلا لحظة عابرة، ما إن يطرق الأبواب حتى يغادرنا للأبد، تاركاً وراءه كل الذكريات، فما نحن جميعاً إلا ذكريات عابرة في العمر.
ليس من السهل أبداً أن نكسر أسلوب حياتنا فجأة، فبنهاية عامنا الدراسيّ سنودع طقوس النشاط، والاستيقاظ باكراً، سننسى ولو قليلاً انتظار الحصص الدراسيّة والمحاضرات، سنشتاق لتوتر الامتحانات، والخوف من العلامات، فمن اجتهد قد كسب، ومن أمضى الأيام مهملاً سيندم، هكذا هي سنة الحياة، فلكل مجتهدٍ نصيب، ولكلّ شخصٍ فينا طاقة وقدرة، إن استخدمها في العلم والعمل سينجو ويحقق أعلى مراتب العلم، وإن ظلّ كسولاً ومهملاً، سيكون في آخر صفوف الحياة.
رغم التعب الذي نبذله في عامنا الدراسي، والتذمر من الامتحانات وأجوائها، ورغبتنا بالمرح واللعب، إلا أننا نشعر بالحزن عند مفارقة كل هذا، خصوصاً ضحكاتنا ومشاغباتنا مع الزملاء، ومؤامراتنا البريئة التي نحيكها بالضحك العميق، فلا شيء يوازي ضحكنا مع أقراننا، ورغم قولنا الدائم وانتظارنا للعطلة بشغف، نشعر بفراغٍ كبيرٍ عند نهاية العام الدراسي، وربما يخطر ببالنا أحياناً أن نقول له تريّث قليلاً، بقيت ضحكاتٌ لم نطلقها، وطباشيرٌ لم نستخدمها، وسبورةٌ لم نخربش عليها.
من أراد أن يصنع لنهاية العام الدراسي معنى، فعليه أن يجتهد فيه، وألا يضيع وقته في غير ما كان لأجله، وأن يمنحه حقه الكامل، وأن يدرس ويصنع لنفسه مستقبلاً يليق به، فمهما كانت العطلة جميلة، ومهما نعمنا بها بالراحة والمتعة، فلن تكون جميلةً إلا إن أتت بعد تعبٍ وجد، فلا شيء في هذه الحياة يأتينا بسهولة، ولا شيء يتحقق بروعة وفخامة، إلا إن كان قد سبقه تعب في الجد، مكللاً بالعمل الدؤوب، والنية الصادقة، والإخلاص في الدراسة.
صحيحٌ أنّ مشاعر الفرح والحزن تختلط بوداع العام الدراسي وانتهائه، لكن العطلة فرصة ذهبية لشحن الروح، وتجميع الطاقة، والعودة بحماسٍ أكبر، وإصرارٍ أعظم على النجاح، فالبدايات أخت النهايات، وكلها حلقات متصلة، لنبلغ في نهاية الأمر سلّم النجاح والتقدّم، وننعم بالتفوق الذي نسعى إليه، فلا معنى للحياة دون جدٍ واجتهادٍ وأمل بالقادم، اللهم إنا نستودعك عاماً دراسيّاً مضى، ونستأمنك على عامٍ قادم، فاكتب لنا الخير فيه في كل خطوةٍ.