وسطية الإسلام و عالميته

كتابة - آخر تحديث: ٦:٥١ ، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٥
وسطية الإسلام و عالميته

الإسلام

جاء الإسلام ليُنقذ الأمم الماضية من الضلال الذي كان يقودها إلى الضياع، واتصف الإسلام بخصائص جعلته مميّزاً عن كل الأديان التي كانت تتبعها الأمم السابقة واللاحقة، فهو دين إلهي، ويمتاز بالشموليّة والوسطية والعالمية، وهو دين العلم والأخلاق. سنتطرّق في بحثنا عن خاصيّة وسطية الإسلام وعالميته.


وسطية الإسلام

أوصى الدين الإسلامي رجاله بعدم المغالاة وتضييق مسارب الأمور على الأفراد حتى لا ينفروا منه، فكان حلاً وسطاً بين المغالاة والتشدد في الدين والانحلال والانفلات من الدين؛ فالمغالاة وسيلة لتحريم كل شيء مباح والانحلال تحليل لكل ما حرمّه الإسلام ودعا بشكل واضح وصريح إلى انتهاج الوسطية.


تُعرف الوسطيّة بشكل عام بأنها نقطة تتوسط وتفصل بين التشدد والانحلال، وتعتبر الوسطية الإسلامية بأنها موقف أخلاقي ينتهجه الإسلام، ومنهج فكري وسلوكي يتبعه لوضع الفواصل في حياة الأفراد والحكم على مواقف تواجههم في حياتهم اليومية، ويمكن تعريف الوسطيّة أيضاً بأنها تصوّر الإسلام للمناهج والمواقف التي تواجه الانسان باعتدال، والسعي لتحرّي الصواب دون تشددّ أو انحلال لكن باختيار الحل الأوسط بينهما.


وتُعنى وسطية الإسلام بتحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة؛ أي انتقاء الحل الذي يحقّق رضا الله سبحانه وتعالى ويتفق مع واقع الأفراد، ويشترط أن تكون الأمور دائماً موافقةً للشرع بالدرجة الأولى. يُذكر بأنّ الدين الإسلامي قد ذمّ التشددّ والمغالاة في أمور الحياة واعتبره بأنه إحدى طرق الضغط غير المباشر على الأفراد للخروج عن الطريق الصحيح، وأنّه وسيلة أو أداة لإرهاق المجتمع المسلم وإضعافه.


يُمكن وصف الوسطيّة كما قال محمد الخير يوسف :"بأنها مفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة؛ فهي حقٌّ بين باطلين، واعتدال بين تطرفين، وعدل بين ظلمين"، وقيل عن الوسطية أيضاً بأنها عبارة عن وسيلة أو أداة جمع لعناصر الحق والعدل، فبجمعها هذا تقف موقفاً لم يسبق وجوده من قبل، وتعمل على توضيح رؤية الأفراد للأمور على حقيقتها باعتبارها منظاراً يفتح العيون لتوضيح هذه الرؤية، والتمكين من إبصار الإسلام على حقيقته.


ضوابط الوسطية

تعتمد وسطية الإسلام على جملة من الضوابط التالية الذكر، ومنها:

  • تحقيق التوازن والتكامل بين ثوابت الشرع ومستجدّات العصر.
  • تمكين الأفراد من استيعاب النصوص القرآنية والسنة بالشكل الصحيح دون مغالاة أو تشددّ.
  • تسهيل الأحكام والفتاوي ضمن الشرع الإسلامي وتيسيرها.
  • تعتبر الوسطية وسيلةً للتبشير في الدعوة وترغيب غير المسلمين باعتناق الدين الإسلامي.
  • تتطلب الوسطية التشديد فيما يتعلّق بالأصول والكليات، بينما تتطلّب التيسير في الفروع والجزئيات.
  • تقوم الوسطية في الإسلام على اتباع أسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وفتح سبل الحوار مع الآخرين.
  • اتباع أسلوب السلم لمن جنح إليه وعدم محاربته من الأعداء، والقتال مع من جنح للقتال.
  • اتباع أسلوب التدرّج في إصدار الفتوى والدعوة والتعليم مع مراعاة الظروف الطارئة التي تتطلب الفتوى.
  • تمحور الدين الإسلامي حول القيم الإنسانية الفاضلة كالعدل والشورى.
  • تكامل فهم البشر للدين الإسلامي بوصفه دعوة ودنيا ودين وعقيدة.
  • الدين الإسلامي دين معاصر للماضي والحاضر والمستقبل.
  • حرص الإسلام على البناء والنموّ والازدهار والابتعاد عن وسائل الهدم والانحطاط.
  • يسعى الإسلام إلى جمع الفِرق وتقريبهم من بعضهم البعض وتأليف قلوبهم.


أهمية الوسطية في الإسلام

  • تحفّز الوسطية المسلمين على الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وأحكامه.
  • إقامة العدل.
  • انتشار الخير والبر.
  • تحقيق أهداف الخلافة في الأرض وهي عمارتها وعبودية الله سبحانه وتعالى.
  • إعطاء كل ذي حق حقّه الإنساني.
  • تظهر الوسطيّة الدين الإسلامي على حقيقته.
  • وسيلة لدرء الشبهات وإبعاد كل التهم التي ألصقت به.


الدليل الشرعي على وسطية الإسلام

ورد ذكر الوسطية في الإسلام في عدّة مواضع في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» وقال تعالى: «قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ»، وفي هذه الآية الكريمة خير دليل على ما تتصف به الأمة الإسلامية من سمة الوسطية، والتي تعتبر ميزةً خصّ الله تعالى بها الإسلام وأمته والتي جعلته يجمع بين الآخرة والدنيا.


أهداف الوسطية

  • إرجاء الحقيقة وتحقيقها بالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي (كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم) والبعد تماماً عن الآراء الشخصية والأهواء والأمزجة.
  • تحقيق المبدأ الأساسي للدين الإسلامي وهو التيسير وعدم إلحاق الضرر بالأفراد من خلال الإصر والمغالاة.
  • تسعى الوسطيّة إلى إبعاد الحرج عن الأفراد ورفعه عنهم، ويدخل الحرج بعدّة جوانب وهي المشقة البدنية والنفسية والمالية.
  • تهدف الوسطية إلى تحقيق الاستقامة والأمان والقومة والخير.


مظاهر الوسطية

  • الاعتدال في العبادات، وهي تكليف الأفراد بما يستطيعون من عبادات وما تطيقه أنفسهم دون حرج.
  • الاعتدال في الأكل والشرب.
  • الاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف.
  • الاعتدال في المشي.
  • الاعتدال في تحقيق مطالب الروح والجسد.
  • الاعتدال في العقائد، والتي تتطلّب توحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه.
  • الاعتدال في التشريع، وتشمل إعطاء الدين والدنيا كل منهما حقه، فإعطاء الجسد والروح حقهما.


عالمية الإسلام

يمتاز الدين الإسلامي بالإضافة إلى وسطيته بالعالمية، فقد بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالم أجمع دون استثناء، ومن الأدلة الشرعية على عالميته قوله تعالى في سورة الأعراف :" قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا إِلـهَ إِلّا هُوَ يُحيي وَيُميتُ فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ "﴿158﴾، كما يهتمّ الإسلام بكل جوانب الحياة، ودخلت بالدين الإسلامي أممٌ عربية وغير عربية وفي كل بقاع الأرض، وكما تُعتبر العالميّة بأنها من أسس قيامه، ويُشار إلى أنّ الديانات الأخرى جاءت لأقوامٍ محدّدة دون غيرهم على العكس تماماً من الدين الإسلامي الأحنف.


وتُعتبر العالمية دافعاً رئيسياً لرفع الراية الإسلامية وعاملاً لتشجيع الأمّة الإسلاميّة على تولّي مسؤولية حمل الدعوة الإسلامية والمضي قدماً بنشرها وتبليغها للآخرين، كما تُعتبر قضيّة مهمّة لبناء التصورات الدينية والدنيوية لدى المسلمين، وتعتبر نافذة للانفتاح على العالم والسعي لتوصيل الرسالة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم،


وتتولّى عالمية الإسلام مسؤولية كشف النقاب عن الأبعاد التي تقوم عليها وتعتمد رؤية المسلمين، وكما يُمكن وصف العالميّة بأنه أسلوب لم شمل جميع الأجناس البشرية في كافة العصور تحت ظل الدين الإسلامي، وكما يمكن وصف عالمية الإسلام بإمكانية تطبيقه في أي زمان ومكان وملائمته لجميع الظروف واهتمامه بكلّ جوانب حياة الإنسان أيضاً، ويُشار إلى أنّ يكون سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والرسل علاقة وثيقة بعالمية الإسلام حتى يبقى البشر على الفطرة الإسلاميّة ولا يتبعون ملة أخرى قد تؤثّر بهم، لو كان بعد محمد صلى الله عليه وسلم أنبياء أو رسل آخرين، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وذكر مصطلح العالمين دلالة على أنّ الدين الإسلامي لا يقتصر على فئة معينة.


مظاهر عالمية الإسلام

  • الدين الإسلامي خاتمة الديانات السماوية ورسالاتها.
  • رسالة ربانيّة إنسانية ترأف بالإنسان وترحمه.
  • الإسلام دين تسامح وسلام ووسطية.
  • تحقيق المساواة بين جميع فئات الناس وتخطّي كلّ الفوارق والحواجز بينهم.
  • الإسلام رسالة خالدة لا تزول إلى يوم القيامة.
  • اعتناق جنسيّات غير عربية للدين الإسلامي.
  • مُخاطبة الرّسول صلى الله عليه وسلم لملوك الولايات والإمارات في عصره.
1,247 مشاهدة