العلم النافع
يوصف عصرنا بعصر العلم، وتفخر الأُمم بالاتصاف به، وقد كان السبق لأُمة الإسلام، فالعلم يُشكّل أهم اللبنات في المجتمع المسلم، وقد أمر الله -تعالى- بالعلم في أول ما نزل من القرآن الكريم، يقول تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[١] وتكرار لفظ العلم بالقرآن الكريم 765 مرة، ما هو إلا دليل على مكانته العظيمة في الإسلام، وجاء الأمر في كثير من الآيات على التفكر في خلق الله تعالى، وتدبر آياته، ولا يقتصر الأمر على العلوم الشرعية فحسب، وإنَّما العلم بمفهومه الواسع.[٢]
وإدراك المسلمون الأوائل لهذا المعنى يُعدّ من أبرز الأسباب التي دفعتهم لإقامة حلقات العلم بعد الفتوحات الإسلامية، فقد برع المسلمون في العديد من التخصصات، فقام جابر بن حيَّان بإرساء قواعد في الكيمياء تُعد الأُولى من نوعها، وفي مجال الطب ألَّف الرازي الكثير من الكُتب التي تُرجِمت إلى العديد من اللغات، واكتشف ابن سينا الدورة الدموية، وسطع نجم أبي حامد الغزالي في علم النفس بوضع أهم النظريات التي تخدم هذا النوع من العلوم، وبرع ابن البيطار في علم الزراعة، والخوارزمي في الرياضيات بكونه صاحب نظرية الجبر والمقابلة، وياقوت الحموي في علم التاريخ، وغيرهم الكثير ممن شيدوا حضارة إسلامية خالدة، قائمة على أساس العلم؛ لعلمهم أنَّه الطريق الموصل إلى رضا الله -تعالى- في الدُنيا والآخرة.[٢]
فوائد العلم النافع
إنَّ السَّير في طريق العلم النافع يعود على صاحبه بالعديد من الفوائد، فقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك بقوله: (من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ)،[٣] ومن أبرز هذه الفوائد:[٤]
- الحصول على رضا الله تعالى، واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإقبال على العلم، والوصول إلى ما فيه من أسرار، ثمَّ الحرص على تعليمها للناس؛ لتحقيق فضيلة العلم.
- الرقيّ بصاحبه عند الله -تعالى- في درجات القُرب؛ لجميل ما يصنع، وجعل الهيبة له في النفوس، فعندما قَدِم ملك التتار لغزو دمشق، خرج إليه ابن تيمية رحمه الله، فقال له: (إنك تزعم أنك مسلمٌ ومعك قاضٍ وإمام ومؤذِّن، وها أنت تغزونا وأبوك وجدك كانا كافرين وما فعلا فِعلك، بل عاهدَا فَوفَّيَا، وأنت عاهدتَ فغدرتَ)، فما كان من الملك إلا أن عاد عن الغزو وطلب من ابن تيمية الدعاء، وقد كان يظن الناس أنَّ هذا الملك سيقتل ابن تيمية.
- طلب العلم سبباً لدخول الجنة، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ طريق العلم هو من الطرق الموصلة إلى الجنة، كما أنَّه يعين العبد على تحقيق الخشية من الله تعالى.
- العلم ميراث الأنبياء، فقد روى الطبراني عن أبي هريرة أنَّه دخل السوق فنادى بالناس قائلاً: (يا أهل السوق، ما أعجزكم!)،فسألوه وما ذاك؟ فأجاب: (ذاك ميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه) وأرشدهم إلى المسجد، فلما وصلوا المسجد قالوا له: دخلنا المسجد ولم نجد فيه شيئاً يُقسَّم، فقال لهم: (وما رأيتم في المسجد أحدًا؟ قالوا: بلى، رأينا قومًا يصلُّون، وقومًا يتذاكرون القرآن، وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: وَيْحَكُمْ! فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم).
- حضور الملائكة لمجالسهم، فتظلهم بأجنحتها، وتنزل عليهم السكينة والطمأنينة، ويذكرهم الله -تعالى- في الملأ الأعلى.
- طلب العلم من أسباب النضارة في الوجه، ويتحصل هذا من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بنضارة الوجه لمن سمع العلم وبلَّغه للناس كما سمعه، فحاجة الناس للعلم تفوق حاجتهم للطعام والشراب.
- تنعُّم طالب العلم بدعاء أهل السماوات والأرض له بالخير، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ جميع الكائنات تدعوا لطالب العلم، حتى النملة التي تُعد من أضعف الكائنات أُلهمت الدعاء لهم بالخير.
- أهل العلم لا تنتهي حياتهم بالموت، فهم أحياء بما تركوه من الإرث الذي ينفع الناس، فلا يزال الناس يذكرون الإمام البخاري، وأصحاب المذاهب الفقهية، وغيرهم الكثير من العلماء والأئمة، ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة.
- تمكين الإنسان من الوقوف في وجه الشبهات ودحضها بالحجة والمنطق السليم.
- القضاء على الرذيلة، والوصول بالمجتمع إلى الفضيلة عن طريق القراءة في سِيَر السلف الصالح الذين فهموا تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، وعملوا على القضاء على البدع التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
معوقات طلب العلم
مع تعدد طرق تحصيل العلم النافع تتعدد العقبات، ومن عرف العوائق اتجه الى معالجتها، ومن أبرز هذه العوائق ما يأتي:[٥]
- توجيه القصد في طلب العلم لغير الله تعالى، ومعالجة ذلك بقطع طريق الشيطان وتصحيح النية على الدوام.
- عدم العمل بالعلم، ومعالجة هذا العائق يكون بالتدرج في تطبيق الأعمال واحدة تلو الأُخرى.
- الاعتماد على الكُتب مع إغفال مناهج العلماء، والحل في هذا الجمع بين القراءة من الكتب، والدراسة عند الشيوخ والعلماء.
- أخذ العلم من قليلي الخبرة، حديثي السن، مع وجود من هم على قدر من العلم، والحل في ذلك انتقاء أفضل العلماء والأخذ عنهم.
- عدم وضع خطة متدرجة لطلب العلم، وتجاوز هذا العائق يكون بالتدرج بالعلوم وعدم الانتقال بينها إلا بالوصول إلى الإتقان.
- إصابة النفس بالعُجب والغرور، ويُعالَج هذا العائق بتعويد النفس على التواضع، وتذكيرها بما فيها من النقص والتقصير.
- تناقص الهمة، وتجاوز هذا العائق يكون بالقراءة بسِيَر أهل الهمم العالية، مما يُعين الناس على مجاهدة أنفسهم وطلب الأفضل دائماً.
- التسويف في الطلب، وتتم معالجة التسويف عن طريق المسارعة إلى الأعمال.
المراجع
- ↑ سورة العلق، آية: 1-5.
- ^ أ ب د. بدر هميسه ، "الإسلام دين العلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 3641، صحيح.
- ↑ صلاح الدق (19-5-2016)، "ثمرات العلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-1-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد عبد الجواد (28-10-2017)، "عوائق الطلب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2019. بتصرّف.