امرؤ القيس من أشهر الشعراء في العصر الجاهلي وأكثرهم إبداعاً، بدأ بالشعر منذ أن كان صغيراً، وكان له لمسة واضحة بالشعر، فقد ترك ديوان ضم العديد من القصائد المميزة التي ما زالت تقال ليومنا هذا
محتويات
ديوان امرؤ القيس
الخلات الأربع
جزعت ولم أجزع من البين مجزعا
وعزّيت قلباً باكواعب مولعا
وأصبحت ودّعت الصّبا غير أنّني
أراقب خلاّت، من العيش، أربها
فمنهنّ قولي للنّدامى ترفّقوا،
يداجون نشّاجاً من الخمر مترعاً
ومنهنّ ركض الخيل ترجم بالقنا
يبادرن سرباً آمناً أن يفزّعا
ومنهنّ نصّ العيس واللّيل شامل
تيممّ مجهولاً من الأرض بلقعا
خوارج من برّيّة نحو قرية،
يجدّدن وصلاً، أو يقرّبن مطمعا
ومنهنّ سوقي الخود قد بلّها النّدى
تراقب منظوم التّمائم، مرضعا
تعزّ عليها ريبتي، ويسوءها
بكاه، فتثني الجيد أن يتضرّعا
بعثت إليها، والنّجوم طوالع،
حذاراً عليها أن تقوم، فتسمعا
فجاءت قطوف هيّابة السّرى
يدافع ركناها كواعب أربعا
يزجّينها مشي النّزيف وقد جرى
صباب الكرى في مخّها فتقطّعا
تقول وقد جرّدتها من ثيابها
كما رعت مكحول المدامع أتلعا
وجدّك لو شيء أتانا رسولـه،
سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا
فبتنا تصدّ الوحش عنّا كأنّنا
قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا
تجافى عن المأثور بيني وبينها،
وتدني عليّ السّابريّ المضلّعا
إذا أخذتها هزّة الرّوع أمسكت
بمنكب مقدام علء الـهول أروعا
لمن الديار
لمن الدّيار غشيتها بسحام
فعمايتين فهضب ذي أقدام
فصفا الأطيط فصاحتين فغاضر
تمشي النّعاج بها مع الآرام
دار لهند والرّباب وفرتنى
ولميس قبل حوادث الأيّام
عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا
نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام
أوما ترى أظعانهنّ بواكراً
كالنّخل من شوكان حين صرام
حوراً تعلّل بالعبير جلودها
بيض الوجوه نواعم الأجسام
فظللت في دمن الدّيار كأنّني
نشوان باكره صبوح مدام
أنف كلون دم الغزال معتّق
من خمر عانة أو كروم شبام
وكأنّ شاربها أصاب لسانه
موم يخالط جسمه بسقام
ومجدّة نسّاتها فتكمّشت
رتك النّعامة في طريق حام
تخدي على العلاّت سام رأسها
روعاء منسمها رثيم دام
جالت لتصرعني فقلت لـها اقصري!
إني امرؤ صرعي عليك حرام
تذكرت هنداً وأترابها
أذكرت نفسك ما لن يعودا
فهاج التّذكّر قلباً عميدا
تذكّرت هنداً وأترابها
فأصبحت أزمعت منها صدودا
ونادمت قيصر في ملكه
فأوجهني وركبت البريدا
إذا ما ازدحمنا على سكّة
سبقت الفرانق سبقاً شديدا
نام الخليّ ولم ترقد
تطاول ليلك بالإثمد
ونام الخليّ، ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة،
كليلة ذي العائر، الأرمد
وذلك من نبإ جاءني،
وخبّرته عن أبي الأسود
ولو عن نثا غيره جاءني،
وجرح اللّسان كجرح اليد،
لقلت، من القول، ما لا يزال
يؤثر عنّي، يد المسند
بأيّ علاقتنا ترغبون،
أعن دم عمرو على مرثد؟
فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
فإن تقتلونا نقتّلكم؛
وإن تقصدوا لدم نقصد
متى عهدنا بطعان الكماة
والحمد والمجد والسّؤدد
وبني القباب، وملء الجفان
والنّار والحطب المفأد
وأعددت، للحرب، وثّابةً،
جواد المحثّة والمرود
سبوحاً، جموحاً، وإحضارها
كمعمعة السّعف الموقد
ومشدودة السّكّ موضونةً
تضاءل في الطّيّ، كالمبرد
تفيض على المرء أردانها،
كفيض الأتيّ على الجدجد
ومطّرداً كرشاء الجرور
من خلب النّخلة الأجرد
وذا شطب، غامضاً كلمه،
إذا صال بالعظم لم ينأد
لعمرك ما قلبي
لعمرك ما قلبي إلى أهله بحر
ولا مقصر يوماً فيأتيني بقر
ألا إنّما الدّهر ليال وأعصر
وليس على شيء قويم بمستمر
ليال بذات الطّلح عند محجّر
أحبّ إلينا من ليال على أقر
أغادي الصبوح عند هرّ وفرتنى
وليداً وهل أفنى شبابي غير هر
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة
معتّقة ممّا تجيء به التّجر
هما نعجتان من نعاج تبالة
لدى جؤذرين أو كبعض دمى هكر
إذا قامتا تضوّع المسك منهما
نيسم الصّبا جاءت بريح من القطر
كأنّ التّجار أصعدوا بسبيئة
من الخصّ حتى أنزلوها على يسر
فلمّا استطابوا صبّ في الصّحن نصفه
وشجّت بماء غير طرق ولا كدر
بماء سحاب زلّ عن متن صخرة
إلى بطن أخرى طيّب ماؤها خصر
لعمرك ما إن ضرّني وسط حمير
وأقوالها إلاّ المخيلة والسّكر
وغير الشّقاء المستبين فليتني
أجرّ لساني يوم ذلكم مجر
لعمرك ما سعد بخلّة آثم
ولا نأنإ يوم الحفاظ ولا حصر
لعمري لقوم قد نرى أمس فيهم
مرابط للأمهار والعكر الدّثر
أحبّ إلينا من أناس بقنّة
يروح على آثار شائهم النّمر
يفاكهنا سعد ويغدوا لجمعنا
بمثنى الزّقاق المترعات وبالجزر
لعمري لسعد حيث حلّت دياره
أحبّ إلينا منك فا فرس حمر
وتعرف فيه من أبيه شمائلاً
ومن خاله ومن يزيد ومن حجر
سماحة ذا ووفاء ذا
ونائلذا إذا صحا وإذا سكر
إنّا لاحقان بقيصر
سما لك شوق بعدما كان أقصرا
وحلّت سليمى بطن فوّ فعرعرا
كنانيّة بانت وفي الصّدر ودّها
مجاورة غسّان والحيّ يعمرا
بعينيّ ظعن الحيّ لمّا تحمّلوا
لدى جانب الأفلاج من جنب تيمرا
فشبّهتهم في الآل لمّا تكمّشوا
حدائق دوم أو سفيناً مقيّرا
أو المكراعات من نخيل ابن يامن
دوين الصّفا اللائي يلين المشقّرا
سوامق جبّار أثيث فروعه
وعالين قنواناً من البسر أحمرا
حمته بنو الرّبداء من آل يامن
بأسيافهم حتى أقرّ وأوقرا
وأرضى بني الرّبداء واعتمّ زهره
وأكمامه حتى إذا ما تهصّرا
أطافت به جيلان عند قطاعه
تردّد فيه العين حتى تحيّرا
كأنّ دمّى شفع على ظهر مرمر
كسا مربد السّاجوم وشياً مصوّرا
غرائر في كنّ وصون ونعمة
يحلّين ياقوتاً وشذراً مفقّرا
وريح سناً في حقّة حميريّة
تخصّ بمفروك من المسك أذفرا
وباناً وألويّاً من الـهند ذاكياً
ورنداً ولبنى والكباء المقتّرا
غلقن برهن من حبيب به ادّعت
سليمى فأمسى حبلها قد تبتّرا
وكان لـها في سالف الدّهر خلّة
يسارق بالطّرف الخباء المستّرا
إذا نال منها نظرةً ريع قلبه
كما ذعرت كأس الصّبوح المخمّرا
نزيف إذا قامت لوجه تمايلت
تراشي الفّؤاد الرّخص ألاّ تختّرا
أسماء أمسى ودّها قد تغيّرا
سنبدل إن أبدلت بالودّ آخرا
تذكّرت أهلي الصّالحين وقد أتت
على خملى خوص الركاب وأوجرا
فلمّا بدت حوران في الآل دونها
نظرت فلم تنظر بعينك منظرا
تقطّع أسباب اللّبانة والـهوى
عشيّة جاوزنا حماةً وشيزرا
بسير العود منه يمنّه
أخو الجهد لا يلوي على من تعذّرا
ولم ينسني ما قد لقيت ظعائناً
وخملاً لـها كالقهر يوماً مخدّرا
كأثل من الأعراض من دون بيشة
ودون الغمير عامدات لغضورا
فدع ذا وسلّ الـهمّ عنك بجسرة
ذمول إذا صام النّهار وهجّرا
تقطّع غيطاناً كأنّ متونها
إذا أظهرت تكسى ملاءً منشّرا
بعيدة بين المنكبين كأنّما
ترى عند مجرى الضّفر هرّاً مشجّرا
تطاير ظرّان الحصى بمناسم
صلاب العجى ملثومها غير أمعرا
كأنّ الحصى من خلفها وأمامها
إذا نجلته رحلها حذف أعسرا
كأنّ صليل المرو حين تشذّه
صليل زيوف ينتقدن بعبقرا
عليها فتىً لم تحمل الأرض مثله
أبرّ بميثاق وأوفى وأصبرا
هو المنزل الآلاف من جوّ ناعط
بني أسد حزناً من الأرض أوعرا
ولو شاء كان الغزو من أرض حمير
ولكنّه عمداً إلى الرّوم أنفرا
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنّما
نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
وإني زعيم إن رجعت مملّكاً
بسير ترى منه الفرانق أزورا
على لاحب لا يهتدي بمناره
إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا
على كلّ مقصوص الذّنابى معاود
بريد السّرى باللّيل من خيل بربرا
أقبّ كسرحان الغضا متمطّر
ترى الماء من أعطافه قد تحدّرا
إذا زعته من جانبيه كليهما
مشى الـهيدبى في دفّه ثم فرفرا
إذا قلت روّحنا أرنّ فرانق
على جلعد واهي الأباجل أبترا
لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها
ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
نشيم بروق المزن أين مصابه
ولا شيء يشفي منك يا بنة عفزرا
من القاصرات الطّرف لو دبّ محول
من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا
له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا
بكاءً على عمرو وما كان أصبرا
إذا نحن سرنا خمس عشرة ليلةً
وراء الحساء من مدافع قيصرا
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته
وقرّت به العينان بدّلت آخرا
كذلك جدّي ما أصاحب صاحباً
من الناس إلا خانني وتغيّرا
وكنّا أناساً قبل غزوة قرمل
ورثنا الغنى والمجد أكبر أكبر
وما جبنت خيلي ولكن تذكّرت
مرابطها في بربعيص وميسرا
ألا ربّ يوم صالح قد شهدته
بتاذف ذات التّلّ من فوق طرطرا
ولا مثل يوم في قذاران ظلته
كأني وأصحابي على قرن أعفرا
ونشرب حتى نحسب الخيل حولنا
نقاداً وحتى نحسب الجون أشقرا
فهل أنا ماش بين شرط وحيّة،
وهل أنا لاق حيّ قيس بن شمّرا
تبصّر خليلي هل ترى ضوء بارق
يضيء الدّجى باللّيل عن سرو حميرا
أجار قسيساً فالطّهاء فمسطحاً،
وجوّاً فروّى نخل قيس بن شمّرا
وعمرو بم درماء الـهمام إذا غدا
بذي شطب عضب كمشية قسورا
وكنت إذا ما خفت يوماً ظلامةً
فإنّ لها شعباً ببلطة زيمرا
نيافاً تزلّ الطّير قذفاته
يظلّ الضّباب فوقه قد تعصّرا