قارئة الفنجان
جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت:
يا ولدي.. لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي،
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً وكثيرا..
وتموتُ كثيراً وكثيرا
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض..
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود
بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً
لكنّي.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ.. أن تمشي أبداً
في الحُبِّ .. على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً..
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ...
وترجعُ كالملكِ المخلوع..
القصيدة الدمشقية
هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
- إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي
- لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
- سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا
- وما لقلـبي إذا أحببـتُ جـرّاحُ
ألا تزال بخير دار فاطمة
- فالنهد مستنفر والكحل صبّاح
إن النبيذ هنا نار معطرة
- فهل عيون نساء الشام أقداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
- وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـا
- وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا
- فكيفَ أنسى وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ
- ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمـاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي
- فكيفَ أوضحُ هل في العشقِ إيضاحُ
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها
- حتّى أغازلها والشعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً
- فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ؟
خمسونَ عاماً وأجزائي مبعثرةٌ
- فوقَ المحيطِ وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها
- وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي
- حتى يفتّـحَ نوّارٌ وقـدّاحُ
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ
- أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ
والشعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ
- إذا تولاهُ نصَّـابٌ ومـدّاحُ
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا
- وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ
حملت شعري على ظهري فأتعبني
- ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ
قصيدة الحزن
علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البللور المكسور
علمني حبك.. سيدتي
أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني
في الليلة آلاف المرات..
و أجرب طب العطارين..
و أطرق باب العرافات..
علمني ..أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجهك..
في الأمطار، و في أضواء السيارات..
و أطارد طيفك..
حتى .. حتى ..
في أوراق الإعلانات ..
علمني حبك..
كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثاً عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثاً عن وجه..عن صوتٍ..
هو كل الأوجه والأصواتْ
أدخلني حبكِ.. سيدتي
مدن الأحزانْ..
و أنا من قبلكِ لم أدخلْ
مدنَ الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسانْ..
علمني حبكِ..
أن أتصرف كالصبيانْ
أن أرسم وجهك ..
بالطبشور على الحيطانْ..
و على أشرعة الصيادينَ
على الأجراس..
على الصلبانْ
علمني حبكِ..
كيف الحبُّ يغير خارطة الأزمانْ..
علمني أني حين أحبُّ..
تكف الأرض عن الدورانْ
علمني حبك أشياءً..
ما كانت أبداً في الحسبانْ
فقرأت أقاصيصَ الأطفالِ..
دخلت قصور ملوك الجانْ
و حلمت بأن تتزوجني
بنتُ السلطان..
تلك العيناها .. أصفى من ماء الخلجانْ
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمانْ
و حلمت بأني أخطفها
مثل الفرسانْ..
و حلمت بأني أهديها
أطواق اللؤلؤ و المرجانْ..
علمني حبك يا سيدتي, ما الهذيانْ
علمني كيف يمر العمر..
ولا تأتي بنت السلطانْ..
منشورات فدائية
لن تجعلوا من شعبنا
شعبَ هنودٍ حُمرْ..
فنحنُ باقونَ هنا..
في هذه الأرضِ التي تلبسُ في معصمها
إسوارةً من زهرْ
فهذهِ بلادُنا..
فيها وُجدنا منذُ فجرِ العُمرْ
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعرْ
مشرِّشونَ نحنُ في خُلجانها
مثلَ حشيشِ البحرْ..
مشرِّشونَ نحنُ في تاريخها
في خُبزها المرقوقِ، في زيتونِها
في قمحِها المُصفرّْ
مشرِّشونَ نحنُ في وجدانِها
باقونَ في آذارها
باقونَ في نيسانِها
باقونَ كالحفرِ على صُلبانِها
باقونَ في نبيّها الكريمِ، في قُرآنها..
وفي الوصايا العشرْ..
لا تسكروا بالنصرْ…
إذا قتلتُم خالداً.. فسوفَ يأتي عمرْو
وإن سحقتُم وردةً..
فسوفَ يبقى العِطرْ