مقدمة
إن الخطأ والسهو والنسيان صفات ملازمة للإنسان، كما أن الشر يمكن أن يتسلل أحيانًا إلى المرء، فيعصي بذلك الله جل وعلا، إما تكبرًا وإما غروراً بعفو الله سبحانه وتعالى ومغفرته، وإما إرضاء للبشر، أو اتباعا للهوى، فيقع في المعاصي التي تغضب الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع عقاب العاصيين وأتبعه باستثناء الذين تابوا وعملوا الصالحات، وهذا من كرم الله تعالى وحكمته وجليل عفوه، وهنا قد يتساءل قارئ وكيف يكون التخلص من الذنوب لكسب رضا الله تعالى وعفوه وجنته؟ والإجابة تجدها في هذا المقال.
التوبة والاستغفار
إن التوبة إلى تعالى واستغفاره على ما مضى من الذنوب يعتبر الخطوة الأولى نحو تكفير الذنوب والخطايا وتتطلب التوبة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، فتأكد أن هدفك من هذه التوبة هو كسب رضا الله سبحانه وتعالى وحده وأن يشملك عفوه سبحانه وتعالى، وإن أردت أن تعرف إذا ما كانت توبتك صادقة أم لا، فانظر إلى المعاصي التي ارتكبتها ومدى ندمك عليها، فإن كنت نادمًا على ما فعلت فاعلم أن توبتك صادقة بإذن الله أما إن لم تكن نادمًا على ما فعلته فراجع نفسك واطلب من الله تعالى أن يلين قلبك وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان وأن يجعلك مع الراشدين، واسأل نفسك هل أنت عازم على عدم الرجوع إلى تلك المعاصي؟ فليس من الأدب مع الله تعالى أن تدعي التوبة وقلبك مليء بحب المعاصي ومستعد للعودة لها واعلم أن الله مطلع على القلوب فإن وجد الله في قلبك خيرًا وصدقًا فسيهديك بإذنه وسيقبل توبتك ويهديك إلى الرشاد والصلاح ويكفر عنك ذنوبك وخطاياك. واحرص على المداومة على الاستغفار، فاستغفار الله تعالى طريق لتكفير الذنوب والخطايا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة وهو نبي هذه الأمة، فماذا علينا أن نفعل ونحن نخطئ ونذنب كل يوم؟ أكثر إذًا من استغفار الله تعالى بعد التوبة إليه وإخلاص النية له والندم على ما فات والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى.
إعادة الحقوق لأصحابها
فهناك نوعان من الذنوب منه ما هو مرتبط بحق الله تعالى كإضاعة الصلاة أو عدم الصيام، ومنه ما هو مرتبط بحقوق العباد كالغيبة والسرقة أو القتل وغيرها من الأمور التي تضر بالآخرين، فتلك المرتبطة بحقوق العباد لا يكفي فيها الاستغفار لله تعالى والتوبة إليه، بل يجب فيها إعادة الحقوق إلى أصحابها، بأن تعيد المال الذي سرقته إلى صاحب المال وتطلب منه المسامحة والعفو، وأن تندم على ما فعلته وأن تحرص على عدم العودة إلى هذا الذنب، وبهذا يغفر الله لك ذنوبك.
الأعمال الصالحة
قال تعالى في كتابه العزيز: "إن الحسنات يُذهبن السيئات"، وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن نتبع السيئة بالحسنة، فالحسنة تمحو السيئة، لذلك إذا أردت أن يمحو الله ذنوبك وسيئاتك فاحرص على كل ما يرضي الله تعالى وعلى فعل الأعمال الصالحة التي تمحو السيئات، وتشمل الأعمال الصالحة ما يلي:
- ذكر الله تعالى: كالمداومة على الثناء على الله تعالى، والصلاة على رسوله الكريم، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فالمسلم القوي الصادق يأمر الناس بالمعروف ويثني عليهم فعل الأعمال الصالحة وينكر عليهم الأعمال السيئة وينهاهم عنها بالحكمة والموعظة الحسنة ويكون قدوة حسنة لهم في ذلك كله.
- المداومة على قراءة القرآن الكريم يعتبر من أهم الأعمال الصالحة التي يكسب بها الإنسان عظيم الأجر والثواب فبكل حرف يقرأه الإنسان فإن له به أجرًا عظيمًا، وبكل حسنة ينالها الإنسان يمحو الله بها خطاياه وذنوبه فما بالك بالمداومة على قراءة ما تيسر من القرآن الكريم.
- صلة الأرحام: فقد أوصى الله تعالى ورسوله الكريم بصلة الأرحام، والأرحام هم كل من تربطك بهم قرابة سواء وصلوك أم قطعوك، و لمن يصل رحمه أجر كبير من الله تعالى، أما قطع الأرحام فهو سبب لغضب الله سبحانه وتعالى ولفساد الأرض، واعلم أنه من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله.
- الصدقة: الصدقة من الأعمال التي تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى، وبها ينال الإنسان جزيل الأجر والثواب وتكفر عنه ذنوبه.
- مسامحة الآخرين: فكما أنك تحب أن يعفو الله عنك، فاحرص على أن تعفو عن الناس وتسامحهم وتلتمس لهم الأعذار، فالله تعالى خص العافين عن الناس في القرآن الكريم بعظيم الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى.
- بر الوالدين: فالله تعالى قد ربط رضاه برضا الوالدين، فإن كنت بارًا بوالديك فإن الله تعالى سيرضى عنك وستنال بذلك الأجر الذي يمحو الله تعالى به خطاياك وذنوبك
- الصوم: إن الصوم من أحب العبادات إلى الله سبحانه وتعالى، لذلك احرص على صيام الأيام البيض من كل شهر وعلى صيام الاثنين والخميس.
- الصلاة في المسجد: فبكل خطوة تخطوها إلى المسجد يحط الله عنك خطاياك ويرفعك درجات، فضلًا عن أجر صلاة الجماعة، لذلك احرص على المواظبة على أداء الصلاة في المسجد كل يوم.
- الإحسان إلى الناس: والإحسان يقتضي أن تحسن إلى من أساء إليك، فالإحسان مرتبة عالية من مراتب الإيمان، والله تعالى يحب المحسنين من الناس ويرفعهم درجات عنده.
الصحبة الصالحة
فالصحبة الصالحة هي ما تعينك عل فعل الخيرات وترك المعاصي والابتعاد عنها، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالسة الجلساء الصالحين الذين يدعون إلى الخير، وشبه الرسول عليه السلام الجليس الصالح بحامل المسك الذي لا تجد منه إلا الريح الطيبة، فالصديق الصالح وسيلة تعينك على كسب الرضا الله وعلى التخلص من الذنوب، فهو يحثك على فعل الحسنات والأعمال الصالحة، وبالأعمال الصالحة يمحو الله تعالى الخطايا، وأيضًا فالصديق الصالح ينهاك عن فعل المعاصي إن رآك ميالًا لها، ويذكرك بعقاب الله تعالى فهو بذلك سدٌ منيع لك من الوقوع في المعاصي واكتساب الذنوب وقد خص الله تعالى المتحابين في الله بعظيم الأجر والثواب فهم ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أما صديق السوء فقد شبهه الرسول بنافخ الكير الذي إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة، وهكذا فإن صديق السوء لا يؤثر عليك إلا سلبًا فتراه لا ينهاك عن المعاصي، بل على العكس قد يشجعك عليها، ويزينها لك، وإن شعرت بندم بعد ذلك وراجعت نفسك وراجعته فإن لن يزيد إلا تكبرًا وعنادًا فانظر إلى أصدقائك جيدًا هل هم من الصنف الأول أم من الصنف الثاني، فالإنسان يُعرف بخليله.
وتذكر في النهاية أن كل إنسان يخطئ، وأنه على كل إنسان أن يتوب عن ذنوبه ويستغفر الله عنها، فالاستغفار والتوبة الصادقة هما أساس تكفير الذنوب، واحرص على إعادة الحقوق إلى أصحابها وعلى القيام بالأعمال الصالحة كالإكثار من ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والإحسان إلى الناس، واحرص على أن تكون دائمًا مع صحبة صالحة تعينك على الخير وتنهاك عن فعل الشر.