خلق الله تعالى الناس ليعيشوا مع بعضهم البعض على شكل جماعات، فلم يخلق الله تعالى الإنسان للعيش متفرّداً منفرداً وحيداً، فالإنسان يكمل أخيه الإنسان، وهذا حتّى تستمر حياة الناس هادئةً جميلةً سلسةً تسودها روح المحبّة والطمأنينة والسكينة، ويظهر هذا الأمر من قانون الزواج، هذه السنّة الإنسانية العظيمة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والتي أكد عليها في الآية القرآنية الكريمة: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ). كما قال الله تعالى في موضع آخر: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).
من هذه الآيات الكريمة، يمكننا أن نلاحظ مدى الأهميّة الكبيرة للتعاون والتضامن بين البشر، فهما العنصران الأكثر ضمانة لاستقرار النّاس بكافة أنواعهم وأعراقهم؛ فالتعاون إذاً هو سنّة كونيّة ارتضاها الله تعالى لنا، حتى تستمر الحياة على هذه الأرض، وحتى تتحقّق سبل الهناء والراحة لكافّة البشر.
من أهمّ ثمار التعاون بين الناس، أنّه يلبّي كافة احتياجاتهم عن طريق انتشار التكامل بينهم، فلم يخلق الله تعالى كافة الناس ليعملوا كأكاديميين، ولم يخلق الله تعالى الناس كلهم ليعملوا كمهنيين، ولم يخلق الله تعالى الناس كلّهم ليعملوا تجاراً أو صنّاعاً؛ بل وزّع المواهب والإبداعات بين الناس كلهم، حتى تستمر الحياة على سطح الأرض، وبما يكفل تلبية كافّة احتياجات الناس الّذين يعيشون على سطح الكرة الأرضية.
أيضاً، فإنّ من أهم نتائج تطبيق التعاون بين الناس، هو الأخذ بيد كلّ إنسان محتاج ابتلاه الله تعالى بعلّة معيّنة، فأصبح غير قادر البتة على أن يقوم بواجباته المفروضة عليه حقّ قيام، الأمر الّذي أدى إلى تدهور أوضاعه على كافّة المستويات والأصعدة، فيأتي التعاون لينقذ هذا الإنسان ممّا هو فيه من ضنك العيش وشقائه؛ إذ إنّ التعاون في هذه الحالة هو الضمانة الرئيسيّة لنجاح الحياة واستمرارها، وما الفقر الشديد في القارة الأفريقيّة وما دمار البشر جراء الحروب، وما انتشار المجاعات والفقر بهذا الشكل المقزّز اليوم، إلّا نتيجة غياب هذه القيمة الجميلة من حياة الناس. فلو أدرك الناس قيمة التعاون لما كانت الحياة بهذا الشكل، ولو أحبّ الناس بعضهم بعضاً لما رأينا كلّ هذه المشاكل التي تحدث في عالمنا بهذا الشكل. من هنا فإنّه ينبغي تربية الأجيال الجديدة على هذه القيمة، قيمة التضامن والتعاون حتى تعود البشريّة إلى الصراط المستقيم.