الإحسان
يعدّ الإحسان صفةٌ من صفات العابدين المقرّبين، ويعرّف بأنّه الإتقان، أمّا في الاصطلاح الشرعي، فهو: الإتيان بالمطلوب شرعاً على وجهٍ حسنٍ، وحقيقته أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، ويرافق الإحسان بذل كلّ ما فيه النفع للبلاد والعباد، وفي الإحسان بذلٌ وعطاءٌ، واعترافٌ بالفضل، وقيامٌ بالواجب، فالمحسن يقدّم الخير والنفع للآخرين، ولا يؤذي أحداً منهم، وإن آذوه، فلا يردّ ذلك الإيذاء؛ وإنّما يعفو ويصفح، ويقدّم للآخرين دون انتظار شيءٍ منهم، ويصِلهم إن قطعوه، فهو الغني بالله، لا بالناس، فلأنّه محسنٌ مع الله تعالى، وجد السهولة في الإحسان الناس، حيث قال الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)،[١] والإحسان صفةٌ اتصف بها الله تعالى؛ فهو صاحب الفضل والمِنّة، على كلّ ما خلق في الكون، وكما أنعم على عباده بنعمٍ لا تعدّ، ولا تحصى، وهو الذي يعفو عمّن أساء، ويغفر لمن أذنب، وهو الذي خلق الإنسان في أحسن صورةٍ، وأحسن إليه منذ أن كان جنيناً في بطن أمّه، حتى صار شيخاً كبيراً، وليس ذلك فحسب؛ وإنّما أوصى الله الأبناء ببر آبائهم حين يكبروا، وأمر الله عباده بالإحسان؛ لأنّه أحسن إليهم، حيث قال: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)،[٢] مع شدّة وضوح الفرق بين إحسان الخالق وإحسان المخلوق، كما أنّ الإحسان أرقى منازل العبودية، ولبّ الإيمان، وروح الإسلام، وهو شاملٌ لجميع الأقوال والأفعال، فقد جاء الأمر به عامّاً مطلقاً.[٣]
كيفية الوصول لدرجة الإحسان
من أراد أن يصل إلى درجة الإحسان، التي تحقّق حبّ الله تعالى، فعليه المبادرة إلى القيام بأعمالٍ ورد ذكرها في القرآن الكريم، وكلّما بالغ العبد في الحرص على تلك الأعمال، والإكثار منها، كان ذلك من الأفضل له، وفيما يأتي بيانٌ لتلك الأعمال بشكلٍ مفصّلٍ:[٤]
- الإنفاق؛ وهو بذل المال في سبيل الله تعالى، ودليل ذلك قول الله سبحانه: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٥] والإنفاق الذي يطلبه الله -تعالى- من عباده، هو الإنفاق المعتدل المتوسّط، ففي الإنفاق طاعةٌ لله تعالى، وتدريبٌ للنفس، وتزكيةٌ لها، وفيه مساندةٌ ومساعدةٌ للناس.
- التقوى؛ والمداومة عليها تؤدي بالعبد إلى وصوله لمرتبة الإحسان، حيث قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٦] والمقصود بالتقوى في الآية السابقة العمل على الحذر من غضب الله تعالى، وعقابه، وناره، وذلك بالحرص على العمل الصالح، الذي يعدّ حاجزاً بين العبد والنار، فكما يتّخذ الإنسان الملابس وقايةً له من البرد، فالعمل الصالح، وطاعة الله، واجتناب نواهيه، تقيه من النار.
- كظم الغيظ، والعفو؛ وذلك يتطلّب مجاهدةٌ للنفس، وليس ذلك من اليسير عليها، ولمّا كان كذلك، فقد وصل بصاحبه إلى حبّ الله له، حيث قال الله سبحانه: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٧] ويتمثّل العفو والصفح؛ في عدم الإساءة لمن يُقدم على الإساءة؛ لأنّه بذلك يكون قد قدّم ما عنده وزيادةٌ.
درجات الإحسان
يطلق الإحسان على أمرين، أحدهما: الإحسان إلى الغير، والثاني: الإحسان في الفعل، والإحسان أعلى منزلةً من العدل؛ لأنّ العدل إعطاء الإنسان ما عليه، وأخذ ما له، أمّا الإحسان فهو تقديم الإنسان أكثر ممّا عليه، وأخذ أقلّ ممّا له، ولذلك فقد كان ثواب المحسنين أعلى درجةً، وفيما يأتي بيان أحوال العبد مع الله، كما قسّمها العلماء:[٨]
- حال المكاشفة: وهي المرتبة الأعلى من مراتب الإحسان، وهو المعنى المذكور في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أن تعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراه)،[٩] وهي أعلى مراتب الإخلاص لله تعالى، فلا يرى العبد في ذلك الكون سوى الله عزّ وجلّ، فيفتح الله عليه من الفتوح، ويشغله بها، فلا يفرغ لأن ينشغل بغيرها، وقد وصل إلى تلك المرتبة الأنبياء، والصالحين، والصحابة، والتابعين بإحسانٍ، ومن ذلك ما كان يحصل مع رسول الله، فيطلعه الله على الغيب، فيصفه النبي لمن حوله، كأنّه عياناً أمامه، كما وصف بيت المقدس للمشركين، في صبيحة ليلة الإسراء والمعراج، ومن ذلك أيضاً العلم بما أخبر الله به ممّا كان في الماضي، وما سيكون في المستقبل، وما هو في الحاضر، ومثل ذلك ما جاء في القرآن من آيات الوعد، والوعيد، والقصص، وأحوال الجنة والنار، ومن ذلك أيضاً العلم بما أمر الله به، من الأمور المتعلّقة بالقلوب والجوارح، وذلك العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان، وقواعد الإسلام، وما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة.
- حال المراقبة: وهي المذكورة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (فإنَّكَ إن لا تراهُ فإنَّه يراكَ)،[٩] وتلك المرتبة من الإخلاص لا تأتي دونها أيّ مرتبةٍ، فإن تجاوزها العبد في أعماله، وفقد مراقبة الله له؛ فَسد عمله، وهي الحالة الوسطى بين الرياء والإخلاص، فالإخلاص واجبٌ على المسلم، في كلّ عملٍ يقوم به، وقد خشي رسول الله على المسلمين من الوقوع في الرياء، فكان يقول: (إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ، فسُئل عنه، فقال: الرياءُ يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ للمرائين: اذهبوا إلى ما كنتم تُراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندَهم مِن جزاءٍ؟).[١٠]
المراجع
- ↑ سورة فصلت، آية: 34-35.
- ↑ سورة القصص، آية: 77.
- ↑ أحمد عماري (5-4-2015)، "الإحسان: فضله وحقيقته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار المرسومي (2-12-2014)، "الله يحب المحسنين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 195.
- ↑ سورة المائدة، آية: 93.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 134.
- ↑ محمد صقر (7-4-2013)، "من أسباب محبة الله تعالى عبدا (الإحسان)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 9، صحيح.
- ↑ رواه ابن باز، في فتاوى نور على الدرب لابن باز، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 71/4، صحيح.