سجّل التاريخ إنجازات العديد من العمالقة العظماء الذين سطّروا التاريخ من خلال ترك بصمات واضحة على الكثير من الأمور التي جمعت بين الدين والدنيا، وعند الحديث عن هؤلاء العظماء، فإننا نتحدث عن عمر بين الخطاب أو عمر بن العاص، أو صلاح الدين الأيوبي، أو عماد الدين الزنكي، وسنتحدث اليوم عن أحد هذه الشخصيات المهمة والذي وضع بصمته بصورة واضحة في التاريخ الإسلامي، وهو عمر بن الخطاب (الفاروق).
محتويات
اللقب والكنية
لقّب عمر بن الخطاب بالفاروق، وكان يكنّى بأبي حفص، ونال عمر بن الخطاب لقب الفاروق من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان السبب في إعطائه هذا اللقب هو أنّ عمر بن الخطاب عندما أعلن إسلامه، أعلنه جهراً بين أسياد مكة، وفي وضح النهار، في حين أن الضعفاء من المسلمين كانوا يؤمنون سراً ولا يعلنون إسلامهم، وبالتالي فهو من يوم أن أعلن إسلامه أصبح يفرّق بين الحق والباطل، ولذلك لقّب بالفاروق، كما أنّّ الناس كانوا يخافون عمر بن الخطاب، لأنه قوي الشخصية، وسديد الرأي والخطى.
ومنذ إسلام عمر بن الخطاب أصبح الآخرين يسلمون ويعلنون إسلامهم، فلم يعد أحد يخاف من أسياد قريش، لأنّ الله أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب، وفيما جاء عن قصة حصول عمر بن الخطاب على لقب الفاروق، هو أنّ عمر لحظة إسلامه سأل أخته عن مكان رسول الله، فأخبرته أنّه في دار الأرقم بن الأرقم، فذهب عمر بن الخطاب إلى الدار ليلعن إسلامه أمام الرسول، فذهب وطرق الباب ودخل على القوم الجالسين وكان من بينهم حمزة بن عبد المطلب، فما أن دخل حتى نهض جميع الجالسين فوراً خشية أن يؤذي رسول الله، فقال الرسول ما بالكم؟ فقالوا عمر يا رسول الله، فقال عمر بن الخطاب (أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله و أَشْهَدُ ان محمد رسول الله)، فقام أهل المجلس الجالسين يكبّرون، حتى تعالت صيحاتهم في كل أرجاء مكة، فسأل عمر بن الخطاب الرسول ( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا) قال الرسول بلى، فقال ولما الاختفاء إذن، فخرج وخلفه رجال رسول الله يطوفون أرجاء مكة، وكانوا قد اصطفوا صفين، الأول خلف حمزة، والثاني خلف عمر بن الخطاب، وكان عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب من أشد رجال مكة في ذلك الحين، وكان الجميع يخافونهم، وفي ذلك اليوم أصابت قريش الكآبة مما شاهدوه، فأطلق الرسول لقب الفاروق عليه، لأنه فرق بين الحق والباطل في ذلك الوقت.
كما أنّ عمر بن الخطاب كان أول من حمل لقب أمير المؤمنين، حيث إنّ الناس بعد وفاة الرسول وتولي أبو بكر الصديق الخلافة من بعده، كان يلقب بخليفة رسول الله، ولكن وجد الناس صعوبة في أن يقولوا لعمر بن الخطاب خليفة رسول الله، فقالوا نحن المؤمنين، وعمر أميرنا، ومنذ تلك اللحظة أصبح يطلق لقب أمير المؤمنين على عمر بن الخطاب.
نشأة عمر بن الخطاب
كان مولد عمر بن الخطاب في عام الفيل، وهو نفس الفترة التي ولد فيها رسول الله، وقد كان الرسول يكبره بثلاثة عشر عاماً، وكان يعيش عمر في الجبل، حيث إنّ الجبل حمل اسم عمر بن الخطاب، وكان يطلق عليه اسم جبل عمر، كان عمر بن الخطاب مميزاً جداً بين أهل قريش، فقد كان عمر يتميز عنهم في القراءة والكتابة، فلم يكن عدد من يجيدون القراءة والكتابة في عهده كبير. وكان في صغره يعمل في رعي الإبل.
كان عمر بن الخطاب يجيد الفروسية وركوب الخيل، والمبارزة، كما أنّه كان يجيد المصارعة ومطارحة الشعر، وكان يسافر إلى الأسواق من أجل التجارة، وقد كان محنكاً جداً في تلك الفترة، وكان واحداً من أشراف قريش في تلك الفترة، وكان حاله حال باقي أهل الوثنية والجاهلية، فقد كان مولعاً بالخمر والنساء، وكان إسلام عمر بن الخطاب مثابة ضربة قاسية لقريش لأنها فقدت واحداً من أهم رجالها.
إسلام عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب قاسياً جداً، ولكن حقيقة كان يخفي خلف غضبه القليل من الحنان والرأفة، فقد قيل في قصة إسلامه، أنه قد علم بخبر إسلام أخته وزوجها عامر بن ربيعة، فاتجه إلى دار أخته، وهناك ضرب زوجها ضرباً شديداً، كما أنّه ضرب أخته فانشق وجهها من شدة الضربة، وإذا بقصاصة من الورق وقعت على الأرض منها، فهمّ عمر بن الخطاب لقراءتها، ولكنّها رفضت أن تعطيه إياها قبل أن يتطهّر، فتوضأ عمر وأخذ يقرأ الورقة، وكانت بضع كلمات من القرآن الكريم، فشعر أن هذا الكلام ليس بكلام بشر، كما أنّ سيدنا محمد كان معروفاً عنه في أيام الجاهلية بالصدق والأمانة، فكيف له أن يكذب مثل هذه الكذبة والتي تجعل الناس يغيرون دينهم وحياتهم ومعتقداتهم بالكامل.
موقفه بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
بعد أن انتشر خبر وفاة الرسول ارتدّ الكثير من الناس عن الإسلام، كما أنّ البعض لم يصدق الخبر، وبدأت الفتن تنتشر بين الناس في تلك الفترة، الأمر الذي كان نتيجته ظهور العديد من الأشخاص الكاذبين الذين ادّعوا النبوة أمثال مسيلمة الكذاب، وقد كان لعمر بن الخطاب موقف شديد في هذا الأمر فقد حارب المرتدّين، ولم يشعر بالراحة حتى قضى على جميع المرتدين من أولئك الناس، ولكن في البداية كان عمر أحد أولئك الذين اهتزّوا بعد وفاة الرسول، فقد كان يعتقد أن الرسول لن يموت، ولكن جاء أبو بكر الصديق وخرج للناس قائلاً (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ)، وتأثّر عمر كثيراً بسبب هذه الكلمات التي حرّكت مشاعره كثيراً، واستلّ سيفه وحارب كل من ارتد وحاول أن يفتن الناس.
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
بعد وفاة أبو بكر الصديق بايعه الناس ليكون خليفة أبو بكر في إدارة شئون البلاد، وشهدت فترة حكم عمر بن الخطاب العديد من الفتوحات، فقد كان قوي جداً، كما أنّه كان محنك عسكرياً، لذلك تمكن من أن يحكم الدولة الإسلامية بشكل جيد، وقد قام بتقسيم الدولة الإسلامية إلى أمصار وعين على كل جزء من الدولة الإسلامية حاكماً ومسئولاً، وهو بذلك ضمن أن يكون متحكماً في الدولة أكثر.
اتخذ عمر بن الخطاب المدينة المنورة لتكون عاصمة الدولة الإسلامية، وقد كان يدير شؤون بقية الأمصار من مكانه، كما أنّ البعض اتهمه بأنه استخدم نظام المركزية في إدارة شؤون الدولة الإسلامية.
وفاة عمر بن الخطاب
بقي المجوس يكنون الحقد على أمير المؤمنين، فبعد أن حج عمر بن الخطاب حجته الأخيرة، تمّ طعنه أثناء تأديته لصلاة الفجر، على يد أبو لؤلؤة الفارسي، ولحق به الناس من أجل الامساك به، ولكنه طعن منهم ثلاث عشر رجلاً، إلى أن تم القبض عليه، فقام بطعن نفسه وبالتالي لم يتم الكشف عن الأسباب التي دفعته إلى قتل عمر ين الخطاب (رضي الله عنه).