الإيمان بالغيب
إنّ الإيمان بالغيب هو مفتاح الإيمان بالله تعالى وما أخبرت به الرسل عليهم السّلام؛ فالذي لا يؤمن بالغيب ليس لديه قابليةٌ للإيمان بما أخبر به الرسل وما أنزل عليهم من الكتب؛ لأنّ أساس ذلك هو الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)،[١] فعلاقة الإيمان والتصديق بالغيب متناسبةٌ طرديّاً؛ فكلّما زاد التصديق بالغيب زاد إيمان الإنسان بالله تعالى، وكلّما قلّ التصديق بالغيب ضعف إيمانه، ومن أنكر الغيب مع تظاهر الأدلة على وجوده، كان ذلك دليلاً على فساد قلبه، واختلال عقله، ولن تنفعه مشاهدة الغيب ولو شاهده، ولم يبقَ في قلبه مقدار ذرة من إيمان؛ لأنّ الكِبر هو ما يمنعه من التصديق والإيمان بالغيب، ويمكن القول أنّ الإيمان بالغيب، والقناعة بأنّ العالم المشاهد ما هو إلا جزءٌ يسيرٌ من الموجود، والاعتقاد بأنّ لهذا الوجود بعالميه؛ عالم الغيب والشهادة خالقاً ومدبّراً، هو من أهمّ أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الرسل والملائكة المقّربين عليهم السّلام، لا يعلمون من الغيب إلا ما كشفه الله تعالى لهم من بداية خلق الكون، وأخبار الأمم الماضية، وما سيحدث في المستقبل من أنباء آخر الزمان، وعلامات الساعة، والبعث والنشور، والقيامة والمصير،[٢] وإنّ مشاهد يوم القيامة بما فيها من جنّةٍ ونارٍ، وثوابٍ وعقابٍ، جزءٌ من عالم الغيب، لا نعرف عنه إلا ما أخبرت به نصوص القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وفي ما يأتي حديثٌ عن الجنّة ونعيمها، وبيانٌ لأبوابها التي يدخل منها المؤمنون.
أبواب الجنة
من تمام رحمة الله بالعباد أن خلق لهم الجنة، وأخبرهم -سبحانه وتعالى- بأنّ للجنة أبواباً تفتح عندما يقترب منها المؤمنون وتستقبلهم هناك الملائكة، كما قال: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)،[٣] وقد بيّن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عددها وهي: ثمانية أبوابٍ؛ حيث قال صلّى الله عليه وسلّم:(في الجنة ثمانيةُ أبْوابٍ، فيها بابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يدخلُهُ إلا الصَّائِمُونَ)[٤] وسعة هذه الأبواب، أو ما بين مصراعيها كما بين مكّة المكرّمة وهجر، أو كما بين مكّة وبصرى؛ فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه؛ إنّ ما بين المِصراعَيْنِ من مَصاريعِ الجنةِ لَكَما بين مكةَ وهَجَرٍ، أو كما بينَ مكةَ وبُصْرَى)،[٥] وقيل أنّ عرض أبواب الجنة مسيرة أربعين سنةً، وعلى الرغم من سعة أبواب الجنّة إلا أنّها تكون مكتظّةً بالمؤمنين عندما يدخلونها، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ ما بين مِصراعَينِ في الجنَّةِ مسيرةُ أربعين سنةً وليأتينَّ عليه يومٌ ، وإنه لكَظيظٌ)،[٦] ويمكن القول أنّ أبواب الجنّة هي: باب الريان؛ وهو بابٌ لا يدخله إلا الصائمون، وباب المكثرين من الصلاة، وباب المجاهدين، وباب المتصدقين، وباب الجنّة الأيمن؛ وهو باب خصّصه الله تعالى للذين يدخلون الجنّة من غير حساب، وقد بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك في حديث الشفاعة؛ حيث خاطبه ربّه -عزّ وجلّ- فقال: (يا محمَّدُ أدخِل الجنَّةَ مِن أمَّتِكَ من لا حسابَ عليْهِ منَ البابِ الأيمنِ من أبوابِ الجنَّةِ وَهم شرَكاءُ النَّاسِ فيما سوى ذلِكَ منَ الأبوابِ)،[٧] وباقي الأبواب للأمم الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنّ بعض الأعمال تفتح لصاحبها أبواب الجنّة الثمانية فيدخل من أيّ بابٍ شاء؛ كالذي ينفق زوجين في سبيل الله، أو الذي يتوضأ فيحسن الوضوء ثمّ يرفع بصره إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (ما منكمْ من أحدٍ يتوضأ فيبلغُ "أو فيُسبغُ" الوضوءَ ثمّ يقول: أشهدُ أن لاّ إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، إلا فتحتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةُ، يدخلُ من أيّها شاءَ)،[٨] وتجدر الإشارة إلى أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- دلّنا على وقتٍ تفتح فيه أبواب الجنّة كلّها؛ ألا وهو شهر رمضان، حيث قال: (إذا دخَل رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ، وسُلسِلَتِ الشياطينُ).[٩][١٠]
نعيم الجنّة
لا يمكن للإنسان أن يتخيّل كلّ ما في الجنّة من نعيمٍ؛ لأنّ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، ولكن قد يتأمل بعض نعيمها الذي أخبر عنه القرآن الكريم، أو الأحاديث الشريفة، وكلّ ما يراه الإنسان في الدنيا من صنوف الطعام والشراب؛ كالفاكهة بأنواعها الكثيرة، واللحوم، والثمار، كلّ ذلك يكون للمؤمن في الجنّة، ولكن ليس كالذي في الدنيا، كما قال تعالى: (وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ)،[١١] وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (ما في الدنيا ثمرةٌ حلوةٌ ولا مُرّةٌ إلا وهي في الجنّة، حتى الحنظلة)، وتكون ثمارالجنّة لكلّ فاكهةٍ نوعان، ولكلّ نوعٍ لذةٌ ولونٌ ليس للنوع الآخر، أو يكون من كلّ فاكهةٍ نوعٌ يؤكل رطباً وآخر يؤكل ناشفاً؛ كالعنب والزبيب مثلاً، وتكون هذه الثمار في رؤوس الأشجار، ولكنّها مذلّلةٌ لأهل الجنّة، فتأتي أحدهم حيث يشاء، وتدنو منه متى أراد، فيتلذّذ في الأكل ولا يتحمل عناء خروجه؛ لأنّ تصريف الطعام في الجنّة ليس كما في الدنيا، بل هو ريح وجشاء يفيض مسكاً، ثمّ يحين وقت الشراب؛ فتجري في الجنّة أنهارٌ من ماءٍ، وأنهارٌ من لبنٍ، وأنهارٌ من خمرٍ، وأنهارٌ من عسلٍ؛ فيشربون منها ويتنعّمون على ضفافها، بالإضافة إلى العيون التي تتفجر لهم في أيّ مكانٍ في الجنّة وبما يطلبون من الشراب.[١٢]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 2-3.
- ↑ "الإيمان بالغيب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية: 73.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 3257 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 194 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن معاوية بن حيدة القشيري، الصفحة أو الرقم: 4/274 ، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2434 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 234 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3277 ، صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (1418 هـ - 1998 م)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 150-153. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية: 22.
- ↑ "جنة الخلد"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2018. بتصرّف.