القبر
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لكي يعبده ويطيعه ويتجنب معاصيه وكبائره، وأمرنا بالقيام بالأعمال الصالحة والاستغفار بجميع الأوقات لكي يعفو عنا ويغفر لنا ذنوبنا ومعاصينا وخطايانا التي نقوم بها، فعلى الإنسان العمل للآخرة لأنها دار الخلود، أما حياة الدنيا فهي مجرد متاع ولهو ودار مؤقتة للعيش فيها، فمن ينجح في تجاوزها وعمل الخيرات وكل ما يرضي الله فإنه يفوز في آخرته، ومن تولَّ وكفر وأعرض عن عبادة الله فإنه قد خسر الدنيا والآخرة.
فبعد موت الإنسان وانتهاء حياته ينتقل إلى الحياة الآخرة والتي تبدأ في القبر، والذي يعتبر أول مسكن للإنسان بعد الممات ففيه تبدأ مرحلة الحساب، والتي تؤدي إلى النار أو رحلة السعادة والنجاح التي تؤدي إلى الجنة، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة من القرآن الكريم بأن نعمل للآخرة ولا ننسى نصيبنا من الدنيا، وألا يكون هدفنا هو التمتع والتلذذ والتمسك في الحياة الدنيا الزائلة دون العمل للآخرة، ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة النساء: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً".
ما زال بعض الناس يؤمنون بأن الإنسان يعيش في هذه الأرض فقط للمتعة والغنى، وأن بعد الموت لا يوجد شي؛ أي لا يوجد جنة ولا نار، فلذلك أرسل الله العديد من الرسل لحض الناس على عمل الخيرات وطاعة الله لنيل الرضا والجنة في الآخرة، وبين الله لهم في آيات كثيرة أنه يوجد موت لا محالة، ولا يوجد كائن خالد مخلد سوى الله سبحانه وتعالى وأنه سوف يحاسبنا بعد موتنا، ففي هذا المقال سوف نتحدث عن عذاب القبر ونعيمه، ونبين الأسباب التي تجعل القبر جنة للإنسان أو تجعله سخطاً عليه.
عذاب القبر ونعيمه
ذكر في الكتاب والسنة أن أولى رحل الإنسان إلى الجنة أو النار تبدأ بالقبر، حيث قال تعالى في سورة عبس: "ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ"، فإذا تجاوزه الإنسان بنجاح استبشر وانتظر، وأما إذا فشل في تجاوزه فقد خاب وخسر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، قم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: ارجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيه أضلاعه، فلا يزال فيها معذاباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك".
فمن هذا الحديث نرى أن الله سبحانه وتعالى يبدأ بحساب الإنسان وهو في القبر، حيث يسأله عن إيمانه وإسلامه بالله سبحانه وتعالى وبنبيه الكريم خاتم النبيين محمد -عليه أفضل الصلاة والتسليم-، فمن آمن بالله ورسوله يبشره الله سبحانه وتعالى بالجنة، ويريه مقعده فيها ويوسع وينير عليه قبره، أما من كان كافراً مشركاً بالله ورسوله فإن الله يريه مقعده في النار ويصغر عليه قبره ويبقى بالعذاب إلى يوم الحساب حتى يدخل النار.
أسباب عذاب القبر ونعيمه
لعذاب القبر أسباب كثيرة تعود إلى الأفعال التي كان يعمل بها هذا الإنسان، فالله سبحانه يوقع العذاب على الزاني والسارق والخائن وآكل الربا والكافر والمشرك والمرتدّ والحاكم غيرالعادل والظالم ومن يأكل أموال الأيتام وينهب الخيرات والذي يقطع الطرق إلا من تاب وطلب المغفرة، أما أسباب نعيم القبر فهي كثيرة، وأهمها الإيمان والإسلام وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ورفع الظلم عن الناس وقول الحق والاستغفار والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بالإضافة إلى أن هذه الأعمال الصالحة تبقى وتزداد بعد موته ويزداد بذلك نعيمه، ومن هذه الأعمال التي لا ينقطع ثوابها مثل الصدقة والعلم الذي ينفع الناس وبقي الناس يعملون به بعد موت هذا الشخص، وأيضاً الذرية الصالحة التي تعمل الخيرات باسم هذا الإنسان المتوفي.