الجنة والنار عند المسلمين
من أصول الإيمان باليوم الآخر الاعتقاد الجازم والتصديق التام بالجنة والنار، وقد عدّ العلماء الإيمان بهما الركن السابع من أركان الإيمان، فالجنة والنار كما في اعتقاد أهل السنة والجماعة موجودتان، لا تفنيان ولا تُعدمان؛ فالجنة دار كرامة ورحمة ونعيم، أعدّها الله -تعالى- من أجل عباده الذين آمنوا به وأطاعوه، حيث قال عنها: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)،[١] والنار دار الهوان والعذاب، أعدّها الله لمن كفر به من أعدائه المشركين والمنافقين، قال تعالى: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)،[٢] كما أن أهل الجنة في نعيم أبدي متجدد، لا انتهاء له، وأهل النار في عذاب دائم سرمدي لا خلاص منه.[٣]
وصف الجنة
إنّ الله -عزّ وجلّ- جعل للآخرة ميعاداً لا يعلمه إلا هو سبحانه، والقرار فيها مصيران لا ثالث لهما؛ إمّا عذاب وسعير، وإمّا نعيم مستمر، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ)،[٤] فللجنة أبواب عددها ثمانية؛ فمنها باب لمن أنفق في سبيل الله، وباب لأهل الصلاة، وباب لأهل الجهاد، وباب لأهل الصيام اسمه الريّان، وباب لأهل الصدقة، وقد دعا رسول الله لأبي بكر -رضي الله عنه- أن يدخل من هذه الأبواب جميعها.[٥]
أما فيما يتعلق بصفة من يدخلون الجنة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أولُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجنةَ صورتهم على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، لا يبصقونَ فيها ولا يمتخطونَ ولا يتغوَّطونَ، آنيتهم فيها الذهبُ، أمشاطهم من الذهبِ والفضةِ، ومجامرهم الأُلُوَّةُ، ورشحهمُ المسكُ، ولكلِّ واحدٍ منهم زوجتانِ يُرَى مُخُّ سوقهما من وراءِ اللحمِ من الحُسْنِ، ولا اختلافَ بينهم ولا تباغضَ، قلوبهم قلبُ رجلٍ واحدٍ، يُسبحونَ اللهَ بكرةً وعشيًّا).[٦][٥]
وأدنى أهل الجنة مكانة له عشرة أمثال ملك من ملوك الدنيا، وأعلاهم منزلة له ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وبناء الجنة لبنة من الذهب ولبنة من الفضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها من الزعفران، لا تبلى ثياب المؤمن فيها، ولا يفنى شبابهم، وفيها أنهار خمسة؛ نهر الكوثر، ونهر الماء، ونهر الخمر، ونهر اللبن، ونهر العسل، وفيها من الطعام ما تشتهيه النفس، وآنيتهم من الذهب والفضة، ولباسهم من السندس والاستبرق، ويتّكئون على سرر مصفوفة، ويطوف عليهم الخدم، وقد شبه الله -تعالى- هؤلاء الخدم كأنهم لؤلؤ مكنون، وأزواجهم الحور العين، لكل واحد منهم زوجتان، يُرى مخّ سوقهما من وراء اللحم من الحسن.[٥]
صفات أهل الجنة
إن السامع عن أوصاف الجنة وما فيها من النعيم والسرور، يفني عمره طالباً ما فيها، زاهداً عن كل ما يبعده عنها، وقد ذكر الله -تعالى- في كتابه أوصاف عباده الذين يدخلون الجنة، وفيما يأتي بيان لبعض هذه الصفات بشكلٍ مفصّل:[٧]
- قال تعالى: (إِنَّ المُتَّقينَ في جَنّاتٍ وَعُيونٍ)؛[٨] والمتقون هم الذين خافوا عذاب ربهم فاتقوه من خلال حرصهم على فعل ما أمرهم الله -تعالى- به، واجتناب ما نهاهم عنه.
- ينفقون من أموالهم في الأوجه التي أمرهم الله بالإنفاق فيها، من الزكاة والصدقات والإنفاق على مَن تجب نفقتهم عليهم، فلا يدفعهم الرخاء واليسر إلى الامتناع عن الإنفاق حبّاً بالمال، ولا يدفعهم العسر والشدّة إلى الامتناع عن الإنفاق بحجه الخوف من الحاجة إلى المال.
- يكظمون غيظهم ويحبسون غضبهم؛ فلا يعتدون على الآخرين.
- يعفون عمن ظلمهم واعتدى عليهم، فلا يعتدون عليه وينتقمون لأنفسهم مع قدرتهم على ذلك.
- لا يرتكبون ما يُستفحش من الذنوب، وهي الكبائر التي نهى الله عنها، وإن فعلوا شيئاً من صغائر الذنوب ذكروا الله واستغفروه من ذنوبهم وتابوا ممّا فعلوا فأقلعوا عنه.
- لا يستمرون في فعل الذنوب وإن كانت من الصغائر، فالاستمرار على الصغائر يجعلها كالكبائر.
- يخشعون في صلاتهم، ويعرضون عن اللغو، ويؤدّون الزكاة.
- يحفظون فروجهم عما فيه معصية الله، ويوفون بأماناتهم وعهدهم.
وصف النار
إنّ جهنم هي أعظم ما حذرنا الله تعالى- منه، وهي الدار التي يعذّب الله بها من يشاء العذاب الأليم، وهي الدار التي اشتدّ غيظها وزفيرها، وحميت نارها وسعيرها، مظلمة كالسواد، شعثاء موحشة، لهيبها لا ينطفئ، وجمرها لا يخمد، اختص الله أهلها بالإبعاد، وحرمهم اللذة والسعادة، فقال: (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ)،[٩] وإن ما تجد النفس من حرّ الصيف ولهيبه لهو نَفَس من أنفاس جهنّم، يُذكّر اللهر-تعالى- عباده بها، فقد روى البخاري في صحيحه عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (اشتَكَتِ النارُ إلى ربها، فقالتْ: ربِّ أكلَ بعضي بعضًا، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ).[١٠][١١]
ويصل عمق النار وقعرها إلى سبعين سنة، كما أن الصراط يُنصب على جهنم، فلا يدخل أحد الجنة حتى يمر من فوقه، ويمشي عليه الإنسان بحسب أعماله، فمنهم الذي ينجو، ومنهم الواقع في جهنم، حتى إذا دخلوا فيها فمنهم من تغرقه النار إلى كعبيه، ومنهم من تغرقه النار إلى ركبتيه، ومنهم إلى ما هو أكثر من ذلك، يُدعّون إلى جهنم دعّا، ويُدفعون إليها دفعاً، ويُسحبون في الحميم ثم في النار يُسجرون، تغلي بهم النار كغلي القدور، قال تعالى: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ)،[١٢] يُنادون فيها من الجوع، فيُجاء إليهم بأخبث أنواع الطعام، طعام من ضريع لا يُسمن ولا يُغني من جوع، فيه شوك يعلق في حلوقهم فلا يستطيعون بلعه ولا يستطيعون إخراجه، والأبواب مغلقة عليهم، يبكون من شدة العذاب وينادون مالك النار، فيجيبهم أنهم ماكثون فيها لا خروج لهم منها، لا يُرحم من يبكي، ولا يُجاب من ينادي، وقد أحيطت بهم ذنوبهم، ولا يزالون ينتظرون حتى ينادي منادٍ: (يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت).[١١]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 133.
- ↑ سورة البقرة، آية: 24.
- ↑ عبدالله القصيِّر (19-4-2017)، "الجنة والنار عند المسلمين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1339، صحيح.
- ^ أ ب ت منديل الفقيه (17-10-2011)، "وصف الجنة "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3245، صحيح.
- ↑ "أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه "، ar.islamway.net، 16-6-2006، اطّلع عليه بتاريخ 25-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 45.
- ↑ سورة ص، آية: 56.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3260، صحيح.
- ^ أ ب عبد العزيز الغامدي (16-11-2016)، "أوصاف النار وأحوالها (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الملك، آية: 7.