الأحلاف في الإسلام
شجّع الإسلام على إقامة الجماعات والأحلاف التي يكون هدفها إصلاح الحال والقيام بالأعمال الخيريّة ومساعدة الناس وإنْ لم تكن هذه الجماعة من المسلمين، فمن واجب المسلمين التشجيع على مثل هذه الأحلاف ومساندتها في تأديتها أهدافها الفاضلة والمشاركة بها، ومن باب أولى مساندة الجماعات الإسلاميّة التي تنادي بالإصلاح والإحسان إلى النار ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم.
قال تعالى:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:104،105]، ولكن يجب التأكد أولاً من الأهداف الظاهرة والمخفية لأيّ حلفٍ للتأكد من صدق نواياهم قبل مساندتهم.
أقامت قريش في قديم الزمان أثناء الجاهليّة قبل الإسلام حلفين أو هيئتين مهمتهما الإصلاح بين الناس؛ حلف الْمُطَيّبِينَ وحلف الفضول، وسنأتي على ذِكر كلاهما.
أحلاف قريش في الجاهليّة
حلف الْمُطَيّبِينَ
كان سبب نشوء هذا الحلف هو قيام مجموعة من قريش بمحاولة نزع الحجابة (شرف خدمة الكعبة)، واللواء (شرف حمل اللواء في الحروب)، والسقاية (شرف سقي الماء للحجيج) من بني عبد الدار، فتفرّقت قريشٍ واختلفت الآراء، فاستنصر بنو عبد الدار أصحاب النخوة والرجولة، فاجتمع أنصارهم وأخرج بنو عبد منافٍ قصعةً مملوءةً طيباً وغمست يد الحضور فيها وتعاقدوا وتعاهدوا على نصرة بني عبد الدار والمظلومين من بعدهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم المعطّرة بالطيب وسميوا بالْمُطَيّبِينَ، واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبني عبد منافٍ والحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، ولم يشهد النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الحلف.
حلف الفضول
هو الحلف الذي شهده النبي صلى الله عليه وسلّم وهو في العشرين من عمره، حيث كان أفراد الحِلف مجموعةً من الْمُطَيّبِينَ، وهدف الحلف تهيئة الإصلاح، فاجتمع الأفراد في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسنّه واتفقوا على نصرة المظلوم في مكة المكرّمة حتى لو كان من خارج مكة، لذلك أطِلق على هذا الحلف حلف الفضول، وكان سبب اجتماعهم على تلك الفكرة أنّ رجلاً غريباً جاء إلى مكة المكرّمة وباع بضاعته لعاص بن وائل إلّا أنّ الأخير لم يعطِه ماله، فطلب الغريب مساندة أهل الفضل في مكة فنصره فريقٌ وخذله فريق آخر، وكان الفريق الذي نصره هم جماعة حلف الفضول، وبعد اجتماعهم مشوا إلى العاص وأخذوا منه حق الرجل وأعادوه له.
كان هذا الحلف من أشرف الأحلاف التي عرفها وسمع بها العرب، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسّلم هذا الحِلف في حديثه: (شهدتُّ غلامًا مع عمومتي حِلْفَ الْمُطَيِّبينَ فما يَسُرُّنِي أنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ؛ وأني أَنْكُثُهُ) [صحيح الجامع]، وهذا دليلٌ على أهميته وفضله.