محتويات
البحث العلمي وعلم النفس
اختلفت الأساليب التي استخدمها الإنسان في رحلتِهِ عبر الزمن لدراسة وفهم الظواهر النفسيّة، وتعدّدت محاولاته لاكتشاف مكنونات وأسرار الحياة العقليّة والحقائق النفسيّة، فاعتمد على استخدام مناهج علميّة للوصول إلى تلك الحقائق، وعُرِفت هذه المناهج بمصطلح مناهج البحث في علم النّفس؛ حيث إن علمَ النّفس الحديث لم يعتمد فقط على الملاحظات أو التأمل للتعرف على سلوك الإنسان أو الحصول على حقائق عقليّة.[١]
اعتمد الإنسان في تعامله مع علم النّفس على استخدام أساليب البحث العلمي الممنهج والدقيق، ويُعرَّف البحث العلميّ بأنه مجموعة الجهود العلميّة المُنظّمة التي يطبقها الباحث للوصول إلى المعارف والحقائق بشكل دقيق، والمساهمة في إثبات مدى صحتها وتحليل جميع العلاقات التي تربط بين تلك الحقائق. من التعريفات الأُخرى للبحث العلميّ هو نوع من أنواع الأبحاث التي تستخدم الطُرق أو المناهج العلمية؛ من أجل الوصول إلى أهداف العلم.[٢]
مناهج البحث في علم النفس
تنوّعت مناهج وطرق الإنسان في تفسير الظواهر السلوكيّة والنفسيّة؛ حيث اعتمد في العصور القديمة على مبدأ التأمل والاستنباط الداخليّ حتّى يلاحظ ذاته ومشاعره الداخليّة ويفهمها، كما اعتمد أيضاً على الملاحظة الخارجيّة التي اعتبرت أكثر موضوعيّة، أمّا حديثاً فقد ظهرت الكثير من المناهج وطرق البحث المُتخصّصة بعلم النّفس، وفيما يأتي معلومات عن مجموعةٍ منها:
المنهج التجريبي
يعتمد استخدام المنهج التجريبي على عملية التجريب والتطبيق العمليّ للعلوم النظريّة،[٣] وهو من أدق مناهج البحث،[١] واعتُبر هذا المنهج عند بعض الفلاسفة أمثال جون لوك وديفيد هيوم المصدر الوحيد للمعرفة؛ حيث يعتمد هذا المنهج على تطبيق الملاحظة العلميّة الدقيقة، وتحويل الأفكار الناتجة عنها إلى فرضيات علمية تعتمد على التجربة أكثر من مرّة؛ بهدف الوصول إلى نتائج واضحة وقابلة للتطبيق، ثمّ تتحوّل بعد إثباتها إلى قوانين علميّة، وقد استفادت العلوم الإنسانيّة بشكل عام وعلم النّفس بشكل خاص من التطبيقات والخطوات العلميّة للمنهج التجريبيّ، إلا أن الظواهر الإنسانيّة السلوكيّة غير ماديّة وغير ثابتة وتتميّز بالتجريد والوعي والإرادة؛ لذلك من الصعب تقييدها بالإجراءات التجريبيّة في المختبرات، فأصبح المختبر الذي تُدرّس فيه الظواهر السلوكيّة وتخضع للتجربة هو البيئة الطبيعيّة العامة التي توجد بها هذه الظواهر، مثل المدرسة والمجتمع والأسرة، فصارت العملية التجريبيّة تعتمد على مبدأ الملاحظة المقصودة والموجّهة، فيُمثّل المنهج التجريبيّ دراسة لمجموعة من التأثيرات والعلاقات بين عدّة متغيرات، وتُفسّر هذه العلاقات باستخدام التحكم والضبط والتجريب.[٣]
المنهج التتبعي
يهتمّ هذا المنهج بدراسة عمليات النموّ النفسي خلال المراحل العمريّة؛ عن طريق متابعة مجموعة معينة من الأطفال وإخضاعهم لكافة الاختبارات النفسيّة باستخدام الوسائل والأدوات القياسيّة خلال فترات ثابتة بشكلٍ دوري قد تكون كلّ أسبوع أو كلّ شهر أو كلّ يوم، وعادةً تأخذ الدراسات الخاصة بهذا المنهج مُدّة زمنيّة طويلة؛ لأنّها عملية تسجيل المتغيرات المختلفة التي يتعرض لها الأطفال خلال مراحل النموّ التي يمرّون فيها بتتبع الظواهر النفسيّة ومواكبة نشأتها وتطوّرها عند الفرد، ومن الممكن أن يستخدمَ الباحث في هذا المنهج الاختبارات السيكولوجيّة المختلفة أو عملية الملاحظة المُباشرة، وقد اعتبرت نتائج هذه الأبحاث دقيقة وثابتة ويمكن تعميمها حيث تُظهر مسار النموّ الخاص بالعديد من الأطفال الأسوياء والسليمين، ومن أبرز الدراسات والأبحاث المعتمدة على المنهج التتبعي دراسة تيرمان الذي اعتمد على متابعة جميع التغيرات المُؤثّرة في ذكاء الطفل خلال عدّة أعوام؛ حيث اهتمّ بدراسة التغيرات التي يتعرض لها مستوى الذكاء العقلي عند الأطفال الموهوبين، بالإضافة إلى دراسة كافة مظاهر النموّ الخاصة بأولئك الأطفال، النمو الجسمي والعقلي والاجتماعي ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال وصولاً إلى مرحلة الدراسات العليا.[١]
المنهج الذاتي
يُعدّ المنهج الذاتي من أقدم مناهج البحث في علم النّفس التي استخدمها الإنسان في محاولاته لدراسة السلوك الإنساني، إلا أنها كانت أقل المناهج اعتماداً على العلم، فيُمثّل المنهج الذاتيّ الأسلوب المعتمد على الملاحظة الداخليّة أو المعروفة باسم التأمل الباطنيّ، فيهتمّ باختيار وملاحظة الفرد للحالات الشعورية النفسيّة التي يمرّ بها، فيهتمّ الفرد بدراسة الشعور المُؤثّر فيه عن طريق متابعة مصادره المتنوّعة، فإذا اهتمّ بمتابعة الظواهر الخارجيّة مثل حدوث الرعد، فيُصنّف بأنّه باحث في علم الطبيعة الذي شكّل مصدراً خارجياً لشعوره، أمّا إذا اهتمّ بملاحظة المصدر الداخليّ لشعوره، مثل دراسة عملية الإدراك والخواطر والأحاسيس المرافقة لها تجاه ظاهرة خارجيّة معينة وتابعها بالوصف والتحليل عندها يُصنّف بأنه يدرس السيكولوجيا، ولكن يعاني المنهج الذاتي من عيوب، مثل اعتماده على قدرة ومهارة الفرد الواحد في تطبيق الوصف والتحليل؛ لذلك لا يمكن تعميم نتائج الدراسات الفرديّة على جماعة من الأفراد، كما أن الموضوعات التي تُدرس باستخدام التأمل الباطني محدودة، فتكون النتائج الصادرة عنها محدودة كذلك.[١]
المنهج الوصفي
المنهج الوصفي هو منهج يُستخدم لتقديم وصف حول ظاهرة معينة؛ عن طريق فهم مكوّناتها وتحديد خصائصها الغائبة والموجودة، كما يعتمد على دور الباحث في تحويل الفرضيات إلى مجموعة من الأسئلة المهمة والإشكالات وإدراك جميع المُحدّدات الخاصة بالبحث، وتشمل المُحدّدات الزمانيّة والمكانيّة والماديّة والإنسانيّة واختيار العينة التي تُمثّل الدراسة، ويعتمد نجاح تطبيق المنهج الوصفي على استخدام مجموعة من الأدوات، كالاستمارة ودراسة الحالة والمقابلة وغيرها.[٣]
المنهج التاريخي
يدرس المنهج التاريخيّ الظواهر المختلفة بتتبع خلفياتها التاريخيّة عبر الزمن، ومتابعة تطوّرها في جميع الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والنفسيّة، وتعاقبها الزماني والمكاني، كما يهتمّ المنهج التاريخي بدراسة العلاقة بين الزمن الماضي والزمن الحاضر والمستقبل، ويعتمد هذا المنهج على دور الوثائق في تأويل واستنطاق الوقائع والأحداث وتفسيرها، وإنشاء المعطيات التاريخيّة تركيبياً وتشريحياً.[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث د. حلمي المليجي (2001)، مناهج البحث في علم النفس (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، صفحة 5، 6، 37 - 40. بتصرّف.
- ↑ "مناهج بحث في التربية وعلم النفس"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2018.
- ^ أ ب ت ث د. جميل حمداوي (2017)، مناهج علم النفس وعلم النفس التربوي (الطبعة الأولى)، صفحة 40 - 42، 50، 51. بتصرّف.