الحجاب الشرعي
أقيم الإسلام من أجل الوصول إلى العديد من الغايات والأهداف سواءً المرتبطة بالفرد أو الجماعة، ومنها إقامة مجتمع طاهر عفيف وقور حشم، يصدّ أي فتنة أو شهوة قد يتعرّض لها، ومن الوسائل التي تحقق ذلك الحجاب الذي شُرع لصيانة وحفظ المرأة المسلمة، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[١] فلما نزلت الآية السابقة خرجن نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهن الغربان من الأكسية كما روت أم سلمة رضي الله عنها، والجلباب مصطلح يطلق على كل ما يغطّي الجسد من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، أو كل ما تستتر به المرأة من فوق درعها أو خمارها، ودليل ذلك ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (لمَّا نزلت ْهذه الآيةُ : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } . أخذْنَ أزُرَهنَّ فشَقَقْنَها من قِبَلِ الحَوَاشِي ، فاخْتَمَرْنَ بها)،[٢] فامتثلت نساء الأنصار بأوامر الله تعالى، وحرصت على إقامتها حرصاً شديداً، ومما روي في ذلك ما كان من أم خلّاد في أحد الغزوات، عندما كانت تبحث عن ابنها بين الشهداء وهي منتقبة لا يظهر منها إلا عين واحدة، رغم ما أصابها من ألم فراق ابنها.[٣]
غطاء الوجه
تعريف غطاء الوجه
يُعرّف النقاب أو غطاء الوجه بأنّه الغطاء الذي تستخدمه المرأة لستر وجهها، مع جعل فتحة للعينين لتنظر منها، وعرّف الشوكاني الانتقاب في كتاب نيل الأوطار بأنه لبس غطاء للوجه، فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما، وقال ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى: (والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى أبو عبيد وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها، فلا تظهر إلا عينها، ومن جنسه النقاب: فكن النساء ينتقبن).[٤]
حكم غطاء الوجه
اختلف العلماء في حكم النقاب، وذهبوا في ذلك إلى قولين، مستدلّين في كلّ قول إلى مجموعة من الأدلة، وفيما يأتي بيان ذلك بشكل مفصّلٍ:[٥]
- القول الأول: وجوب ستر المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورة، وذلك ما ذهب إليه الإمام أحمد والمذهب الشافعي في الصحيح عنه، والنصوص التي استدلّوا بها على الوجوب هي:
- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[١] فأكثر المفسرين قالوا بأنّ الآية تدل على الأمر بتغطية الوجه، فالجلباب هو ما يوضع على الرأس الذي يغطّي الوجه إن دنا، أمّا قول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[٦] فيُقصد به ظاهر الثياب في الظاهر من التفاسير التي بيّنت المقصود بالآية، وذلك ما ذهب إليه كلٌ من ابن مسعود وابن عباس في رواية عنه رضي الله عنهما، وقد يقصد بالآية الكريمة ما ظهر من المرأة من غير قصدٍ منها، كأن يظهر شيء من جسدها بسبب رياح أو ما شابه ذلك.
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا تنتقبُ المرأةُ المحرمةُ ، ولا تلبسُ القفَّازيْنِ)،[٧] وفسّر الإمام أبو بكر بن العربي الحديث السابق بقوله: (وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها)، فالنساء في العهد النبوي كُنّ يلبسن النقاب، لذلك فقد نهاهُنّ النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس النقاب عند الإحرام.
- القول الثاني: يُستحبّ للمرأة المسلمة تغطية وجهها، وذلك ما ذهب إليه كلٌ من أبي حنيفة والإمام مالك، ولكن القول القديم الذي ورد في المذهبين هو وجوب ستر المرأة لوجهها عند الخوف من الفتنة، والمراد بالفتنة جمال المرأة، وقد تكون الفتنة بالخوف منها على المرأة بفساد الزمان، وكثرة الفساد، وانتشار الفسق والفجور، حيث قال ابن عابدين الحنفي في كتاب رد المحتار على الدر المختار: (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ)، أي أنّ المرأة لا تكشف وجهها خوفاً من نظر الرجال إليها، لأنّ النظر قد يوقِع الفتنة، وذلك يؤدي أيضاً إلى النظر إليها بشهوة، ووردت أيضاً عدةّ أقوال لفقهاء الحنفية والمالكية تدلّ على ذات المعنى، منهم: الحطاب المالكي، والقاضي عبد الوهاب، والشيخ أحمد زروق، أما الأدلة التي استدلوّا بها الحنفية والمالكية على استحباب النقاب، فهي:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان الفضلُ رديفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءَتِ امرأةٌ من خَثعَمٍ، فجعَل الفضلُ ينظُرُ إليها وتنظُرُ إليه، وجعَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصرِفُ وجهَ الفضلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ)،[٨] حيث فسّر القائلون الحديث السابق بعدم وجوب النقاب بسبب ظهور وضاءة وحَسَنَ المرأة، ونظر الفضل إليها يدلّ على أنّ المرأة كانت كاشفةً وجهها.
- ورد عن ابن عباس أنه فسّر قول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[٦] بالوجه والكفين والخاتم، كما رود ذلك عن ابن عمر، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، والضحاك، وإبراهيم النخعي، وغيرهم من الصحابة والتابعين.[٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة الأحزاب، آية: 59.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن صفية بنت شيبة، الصفحة أو الرقم: 4759، صحيح.
- ↑ "الحجاب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "معنى النقاب لغةً وشرعاً"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "حكم النقاب"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة النور، آية: 31.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7445، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم: 1513، صحيح.
- ↑ "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2018. بتصرّف.