منزلة الصحابة
منذ فجر التاريخ وحتى هذا الوقت كان لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الدور البارز في نصرة الإسلام وانتشاره وارتقائه، فقد كانوا نِعمَ الجنود ونِعمَ القادة، وكانوا في وقت الدعوة نعم الرجال والدعاة، بلّغوا عن ربهم ما استأمنهم عليه حقَّ التبليغ، ونصروا نبيهم وناصروه في أوقات الضعف والقوة، بهم قويت شوكة الإسلام، ومن خلالهم وصل صوت الحق إلى أرجاء المعمورة شرقاً وغرباً، وبسبب حسن أخلاقهم وطيب معدنهم آمن الكثير بالدين الإلهي الحق، فقد كان لوجودهم أسمى أثرٍ في نُصرة الإسلام، وكان لاشتراكهم في المعارك والغزوات دورٌ بالغ الأهمية في تحصيل النصر والظفر على الأعداء، وكسر شوكة من أراد بالإسلام وأهله الشرَّ، وكاد له الدسائس والأحقاد، ولأجل كلِّ ذلك فقد جعل الله لهم فضلاً عن غيرهم من البشر، فهم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء بلا أدنى شك، ومن فضلهم أن جعل الإساءة لهم إساءةً للإسلام، فما حكم سبِّ الصحابة شرعاً والإساءة لهم وتحقيرهم؟
من هو الصحابي
- الصحابي لغةً: مشتقةٌ من صَحِبَ يصحبه صُحبَةً، وصَحابةً، ومعنى صاحَبَهَ أي عاشره وعامله، والصَّحب جمع صاحب، والصاحب: المُعاشِر، وجمعها: أصاحب، وأصاحيب، وصُحبان، وتُجمع كذلك على صحابة وصُحبة، وقد جرى العُرف على مُخاطبة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسميتهم بالصحابة رضوان الله عنهم أجمعين.[١]
- الصحابي اصطلاحاً: هو كلُّ مُسلمٍ لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمن به وصَاحبَه مدةً معينة طالت أم قصرت، ويُعرِّف بعض العلماء الصحابيَّ بأنّه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، ثم مات وهو مسلمٌ، ولم يرتدّ عن الإسلام حتى وفاته، فيدخل في ذلك من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو مرةً واحدة وهو مؤمنٌ به غير مشرك، سواء طالت فترة ملاقاته للنبي صلى الله عليه وسلم أو قصرت، وإن روى عنه شيئاً من حديثه أو لم يروِ عنه شيئاً أبداً، ويدخل في ذلك أيضاً من شارك معه في القتال والغزوات، ومن لم يغزُ معه، ومن رآه مرةً واحدةً فقط حتى لو لم يجالسه خلال حياته، ويدخل في ذلك أيضاً من لقيَه ولكنه لم يره لسببٍ قاهرٍ كالعمى، أما قيد الإيمان فيخرج به (يُستثنى منه) من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقتٍ لم يكن فيه مؤمناً به، حتى إن أسلم بعد ذلك ما لم يجتمع به مرة أخرى خلال إسلامه، ويخرج به أيضاً من لقيه وآمن به ثم كفر بما جاء به وارتدَّ عن الإسلام.[١]
حكم سبِّ الصحابة
اختلف العلماء في حكم من سبّ أصحاب النبي -رضي الله عنهم أجمعين - أو سبَّ واحداً منهم فقط، فهل يكفر من سبَّهم أم لا يكفر، وماذا يترتَّب على من سبَّ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أساء لهم؟ فلا يُعدّ سبّ صحابة رسول الله على مرتبة واحدة، إنما هو على مراتب متفاوتة؛ حيث إنَّ سب الصحابة أو أحدهم ينقسم إلى عدة أنواع، منها: أن يطعن طاعنٌ بعدالتهم أو عدالة أحدهم، ومنها أن يسبَّهم دون الطعن بعدالتهم، وقد يكون السب لهم بالجملة لمجرد كونهم أصحاباً للنبي -صلى الله عليه وسلم- بقصد الإساءة له، وقد يكون السبُّ لواحدٍ منهم بقصد الانتقاص من قيمته، أو بسبب اعتقادات أو توهمات بفعله أمور لا تُرضي من سبَّه، وفي ما يلي بيان أقوال العلماء وآرائهم في حكم سبِّ الصحابة كلهم أو أحدهم، وبيان ما يترتب على الذي يسبُّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:[٢]
- اتَّفق الفقهاء على أنَّ من رأى أنَّ سب الصحابة جائز حلال شرعاً فإنّه يكفر لاعتقاده بذلك؛ إذ إن ذلك يُعتبر إنكاراً لأمرٍ معلومٌ من الدين بالضرورة وهو حبُّ الصحابة وتفضيلهم على سائر الخلق، وكذلك الأمر في من سب الصحابة جميعاً أو سبَّ أكثرهم إلا نفراً يسيراً، أو سبَّ صحابياً واحداً فقط ما دام قد اعتقد بأن ذلك مباحٌ جائز، يقول السبكي رحمه الله في الفتاوى: (إنّ سب الجميع بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سب واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفافٌ بحق الصحبة، ففيه تعرضٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك في كفر الساب ... ولا شك أنه لو أبغض واحدًا منهما - أي الشيخين أبي بكر وعمر - لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا)، ويقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَّ نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب في كفره؛ لأنّه مكذّب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا والثناء عليهم، بل من يشكّ في كفر مثل هذا فإن كفره متعيّن).
- أجمع العلماء والفقهاء كذلك على أنَّ من رمى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- بما برّأها الله منه فإنّه يكون قد كفر أيضاً؛ لتكذيبه لصريح كتاب الله وما جاء في تبرأتها في سورة براءة، وقد نُقل عن الإمام مالك رحمه الله قوله بأنّ من سبّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أو رماها بما برّأها منه القرآن فإنّه يجب قتله؛ لأنّه بذلك يكون قد خالف القرآن الكريم.
- إذا لم يبلغ سبُّ الصحابة درجة الاعتقاد باستحلال ذلك وجوازه، أو تكذيب صريح القرآن كما في أمر السيدة عائشة وغيرها من الصحابة؛ فإنّ حكم مَن سبَّ الصحابة لا يصل إلى الكفر، بل إنَّ من سبَّ الصحابة أو واحداً منهم على تلك الحالة يكون فاسقاً غير كافرٍ باتفاق العلماء.
ما يترتب على من سبَّ الصحابة
إذا صدر من أحدٍ شتمٌ صريحٌ أو إساءةٌ لأحد الصحابة أو معظمهم أو جميعهم، وكان من سبَّهم معتقداً جواز ذلك، وأنه غير مذنبٍ بسبّه لهم على ما جرى بيانه سابقاً فإنه يُعتبر كافراً لإنكاره لِمَا عُلم من الدين بالضرورة وتكذيبه لصريح كتاب الله، أمّا ما يترتب عليه لقاء ذلك فالتوبة دون أدنى شك، فإن تاب وانتهى عن سبَّهم فإنّ الله توابٌ رحيم، وإن لم يتب رغم تذكرته بعقوبة سبِّهم وتبصرته لطريق الحق فإنّه يُعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام، وعليه ما على المرتد من العقاب، وهذا بحق من سبَّ أحد الصحابة الذين ثبت فضلهم ومكانتهم في الإسلام، أو طعن بعدالتهم ودينهم ومروءتهم سواء أسبَّ الصحابة جميعهم أو معظمهم، أما من شتم صحابياً أو أساء له قولاً أو فعلاً بما لا يقدح في عدالته ولا في دينه، كأن وصفه بما ليس فيه كالبُخل والجُبن، فلا يُعتبر كافراً كما أُشير سابقاً؛ إلّا أنّه يكون قد ارتكب معصيةً تستوجب التوبة، فإن لم يتُب فعليه التعزير والتأديب.[٣]
المراجع
- ^ أ ب د. سامية منيسي (26-11-2016)، "تعريف الصحابي"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "أقوال العلماء في حكم من سب الصحابة"، إسلام ويب، 11-8-2003، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "حكم من سب الصحابة"، إسلام ويب، 25-4-2000، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.