الأنبياء والرسل
الأنبياء مفردها نبيّ، والنبوة مشتقة من الإنباء، وفي اللغة: الإخبار، أمَّا اصطلاحاً: فالنبيُّ كل من نزل عليه الوحي من الله -تعالى- بواسطة ملَكٍ من الملائكة، وأجرى على يديه خوارق العادات تأييداً له، والرسول في اللغة: هوالمُرسَل، أمَّا اصطلاحاً: فهو إنسانٌ بعثه الله إلى خلقه ليُبلِّغهم الأحكام، والرسول أخص من النبي، فكل رسولٍ نبي، وليس كل نبيٍّ رسول.[١]
اختلف أهل العلم في الفرق بين الأنبياء والرُسل، وقد جمعهما قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٢] فقالت طائفةٌ من أهل العلم: الأنبياء والرُسل واحد، فالنبيُّ رسول، والرسول نبيّ، والرسول مأخوذ من تحمل الرسالة، والنبيّ مأخوذ من النبأ وهو الإخبار؛ لأنه مُخبرٌ عن الله تعالى، وقيل: يختلف مسمى النبيّ عن مسمى الرسول، فالرسول أعلى منزلة من النبيّ؛ لذلك سميت الملائكة رسلاً، ولم يسمّوا أنبياء، واختلف القائلون بالفرق بين النبي والرسول على ثلاثة أقوال، وهي كالآتي:[٣]
- الرسول هو الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، أمَّا النبيّ فهو الذي يُوحى إليه في نومه.
- الرسول يُبعث إلى أمة، أمَّا النبيّ فهو المحدّث الذي لا يُبعث إلى أمة.
- الرسول هو الذي يضع الشرائع ابتداءً، أمَّا النبيّ فهو الذي يحفظ، ويُطبق شريعة غيره من الرُسل.
أيدَّ الله -تعالى- الأنبياء بالمعجزات؛ للدلالة على صدقهم، والمعجزة: ما خرق عادة البشر من أمور لا تُستطاع إلا بقدرة الله تعالى، خصَّ بها الله -تعالى- أنبيائه، وينقسم ما خرج عن العادة إلى عشرة أقسام، وهي كالآتي:[٣]
- ما يخرج جميع جنسه عن قدرة البشر؛ كإحياء الموتى، فقليل هذا وكثيره معجز.
- ما يدخل جنسه في قدرة البشر، ولكن يخرج مقداره عن قدرة البشر، كقطع المسافات البعيدة جداً في مدة قصيرة؛ فيكون معجزاً لخرق العادة، واختُلِف في هذا النوع، فقال بعضهم: المعجز منه ما خرج عن القدرة، وقال آخرون: جميعه معجز لاتصاله بما لا يتميز عنه.
- معرفة الأمور التي تخرج عن علم البشر كالإخبار بحوادث الغيب، وهذا القسم معجز بشرطين:
- تكرار الشيء حتى يخرج عن حد الاتفاق.
- عدم وجود سببٍ يُستدل به عليه.
- ما خرج نوعه عن مقدور البشر، وإن كان جنسه داخلاً في مقدور البشر، كالقرآن الكريم؛ فإن أسلوبه ونوعه خارجٌ عن قدرة العرب الفصحاء، مع امتلاك العرب القدرة على الكلام والبلاغة.
- ما كان فعله داخلاً في مقدرة البشر، ولكن مقدار وسرعة حصوله خارجٌ عن قدرة البشر، كالمرض المُزمِن فإن شفائه من قدرة البشر، ولكن شفائه في لحظة حدوثه خارج عن قدرة البشر، فكان بخرق العادةِ معجزاً.
- عدم قدرة الإنسان على فعل ما كان داخلاً في قدرته، كإخبار الكاتب بعجزه عن الكتابة، وإخبار المتكلم بعجزه عن الكلام، فيكون هذا معجزاً في حق العاجز فقط.
- إنطاق الحيوان أو تحريك الجماد، فإن كان باستدعائه أو إشارته فهو معجزٌ له، وإن كان من غير استدعاء ولا إشارة فإنه لا يكون معجزاً.
- إظهار الشيء في غير زمانه؛ كإظهار فاكهة الصيف في الشتاء، وإظهار فاكهة الشتاء في الصيف، فإن كان حفظهما في غير زمانهما ممكناً، فلا معجزة في ذلك، وإن كان حفظهما في غير زمانهما غير ممكن، فإنه معجزٌ.
- انفجار الماء، أوانقطاعه، وحدوث ذلك من غير أسباب، فإنه معجز.
- إشباع العدد الكبير من الطعام القليل، وإرواء العدد الكثير من الماء القليل، فإنه معجزٌ في حقهم، ولا يكون معجزاً في حق غيرهم.
عدد الأنبياء والرسل وأسمائهم
جاءت السنة النبوية ببيان عدد الأنبياء، وعدد الرسل جملةً، عن أبي ذرٍ -رضي الله عنه- قال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ: كم المرسلونَ؟ قال: ثلاثُ مئةٍ وبضعةَ عشرَ؛ جمًّا غفيرًا)،[٤] وفي رواية أخرى عن أبي ذرٍ رضي الله عنه: (أنَّ الأنبياءَ مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفًا، وأنَّ الكُتبَ المنزَّلَةَ مائةٌ وأربعةُ كُتُبٍ)،[٥] وقد ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم بعض أسماء الرُسل في مواضع متفرقةٍ في القرآن، فذكر الله -تعالى- منهم ثمانية عشر نبيّاً في موضعٍ واحد، قال الله تعالى: (وَتِلكَ حُجَّتُنا آتَيناها إِبراهيمَ عَلى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ* وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ* وَزَكَرِيّا وَيَحيى وَعيسى وَإِلياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ* وَإِسماعيلَ وَاليَسَعَ وَيونُسَ وَلوطًا وَكُلًّا فَضَّلنا عَلَى العالَمينَ)،[٦] و ذكر الله -تعالى- أسماء سبعة آخرين في مواضع أُخرى في القرآن الكريم، وهم: آدم، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وذو الكفل، ومحمد خاتم النبيين، صلوات الله -تعالى- عليهم أجمعين.[٧]
اختلف أهل العلم في نبوة بعض من ذُكر في كتاب الله تعالى، وهم كالآتي:
- الخَضر: الخَضر هو صاحب موسى عليه السلام، وقد ذُكرت قصته في سورة الكهف، وهو نبيٌّ عند الجمهور، وقيل: هو عبدٌ صالحٌ غير نبيٍّ، والآية تشهد بنبوَّته؛ لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحيٍ، وقيل: كان مَلَكاً أمر الله تعالى موسى -عليه السلام- أن يأخذ عنه ممَّا عنده من علم الباطن، والأول هو الصحيح.[٨]
- لقمان: هو المذكور في السورة المسمّية باسمه، وذهب جمهور السلف إلى أنه لم يكن نبيّاً.[٩]
- عُزيرٌ: قال ابن كثير: المشهور أن عُزيراً نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، وقيل: كان بين نبيِّ الله داود وسليمان، وقيل: بين نبيِّ الله زكريا ويحيى، وقيل: لما لم يبقَ في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل.[١٠]
خصائص الأنبياء والرسل
الأنبياء مكلّفون كغيرهم من البشر، ولكن شرع الله في حقهم جملة من الأحكام تخصّهم، وهي كالآتي:[١]
- تحريم الصدقة عليهم: من خصائص النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- تحريم الصدقة عليه، قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّما هي أَوْسَاخُ النَّاسِ)،[١١] والظاهر أيضاً عدم حلِّ الصدقة في سائر الأنبياء.
- أموالهم لا تورث عنهم بل تكون صدقةً: قال ابن تيمية: إن الله -تعالى- صان أنبيائه عن أن يُورِّثوا الدنيا؛ حتى لا يكون ذلك شبهةً لمن يقدح في نبُوَّتهم بأنهم جمعوا الدنيا وورَّثوها لورثِتِهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقْتَسِمُ ورَثَتي دِينَارًا ولَا دِرْهَمًا ما تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، ومَئُونَةِ عَامِلِي فَهو صَدَقَةٌ).[١٢]
- يُدفن الأنبياء حيث قُبضوا: حيث يُدفن الأنبياء حيث قُبضوا، وقد دُفن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة حيث توفي، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما دُفِنَ نبيُّ قطُّ إلا في مكانِهِ الذي تُوفِّيَ فيهِ فحُفِرَ لهُ فيهِ).[١٣]
المراجع
- ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (2001)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 40-44، جزء 40. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 52.
- ^ أ ب الماوردي (1409)، أعلام النبوة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 42-51. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 5669، صحيح.
- ↑ رواه الشوكاني، في الفتح الرباني، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1/484، إسناده حسن.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 83-86.
- ↑ عادل يوسف العزازي (18-1-2016)، "عدد الأنبياء والرسل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-3-2019. بتصرّف.
- ↑ القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 16، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير (1419)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 299، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير (1986)، البداية والنهاية، دمشق: دار الفكر، صفحة 46، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 1072، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2776، صحيح.
- ↑ رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن مالك بن أنس، الصفحة أو الرقم: 24/394، صحيح من وجوه مختلفة.