محتويات
خصائص معجزات موسى عليه السلام
أيّد الله -عز وجلّ- رسله وأنبياءه بالمعجزات التي تُثبت لأقوامهم صدقهم ونبوّتهم، ولتكون حجّةً قائمة على المكذّبين لدعوتهم ورسالتهم، والمعجزة هي أمرٌ خارقٌ للعادة وآيةٌ من آيات الله -عزّ وجلّ- العظيمة، يمْنحها الله -تعالى- لمن يشاء من الأنبياء والرسل، فتكون برهاناً ودليلاً على صدق ما جاءوا به، وتحدّياً لمن مال عن الحقّ وكان من المكذّبين، ولا شك أن معجزةً واحدةً كافيةٌ لإثبات صدق الرسل، إلّا أن بعض الأقوام تملِك في قلوبها من الغِلْظة والتّكذيب ما يستدعي زيادة عدد المعجزات عند بعض الرسل، ومن هؤلاء الرسل سيّدنا موسى -عليه السلام-، فقد أيّده الله -عزّ وجلّ- بمعجزاتٍ عديدةٍ كثيرةٍ مدهشة.[١]
ويجدر بالذكر أن زيادة عدد المعجزات لرسولٍ أو كثرة إرسال الرسل لقومٍ لا يعني زيادة التكريم والتشريف لهم، بل هو دليلٌ على أن هذه الأقوام تُكثر من الخروج عن الحق الثابت من الله -تعالى-، ومثال ذلك قوم بني إسرائيل الذين زاغوا عن أمر الله -تعالى- وشرعه بالرغم من كثرة معجزات موسى -عليه السلام-،[٢] وجاءت معجزات سيدنا موسى -عليه السلام- مناسبةً لحال من أُرسل لدعوتهم، فتحدّاهم بأكثر ما يشتهرون ويتميّزون به، حيث كان السحر منتشراً ومتفشّياً في زمن فرعون وقومه، فأيّد الله -سبحانه- موسى -عليه السلام- بمعجزة العصا على صورة تُشبه عمل سحرهم، إلا أنها تلتهم كل أسحارهم وتُهلكها.[٣]
عدد معجزات موسى عليه السلام
أيّد الله -تعالى- سيدنا موسى -عليه السلام- بتسعِ معجزاتٍ عِظام، فقال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الحكيم: (وَلَقَد آتَينا موسى تِسعَ آياتٍ بَيِّناتٍ)،[٤] إلا أن هذه المعجزات التسعة هي التي أرسل الله -تعالى- بها سيّدنا موسى إلى فرعون، وهناك العديد من المعجزات الأخرى التي أُرسل بها نبيّ الله موسى إلى قوم بني إسرائيل.[٥]
معجزات موسى عليه السلام لفرعون
تحدّى موسى -عليه السلام- فرعونَ بتسعِ معجزاتٍ بيّنات، ومن هذه المعجزات؛ معجزة العصا، ويَدَه التي يُدخلها في جيْبه فتخرج بيضاء من غير سوء، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)،[٦][٧] حيث كانت العصا تتحوّل إلى حيةٍ عظيمةٍ عندما يُلقيها موسى -عليه السلام- على الأرض، قال الله -تعالى- مبيّنا ذلك في كتابه الكريم: (وَما تِلكَ بِيَمينِكَ يا موسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمي وَلِيَ فيها مَآرِبُ أُخرى * قالَ أَلقِها يا موسى * فَأَلقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسعى * قالَ خُذها وَلا تَخَف سَنُعيدُها سيرَتَهَا الأولى).[٨][٩]
وقد واجه موسى -عليه السلام- بها سحرة فرعون، وتحدّاهم بها، قال الله -سبحانه- مبيّنا ذلك في كتابه الكريم: (قالوا يا موسى إِمّا أَن تُلقِيَ وَإِمّا أَن نَكونَ نَحنُ المُلقينَ * قالَ أَلقوا فَلَمّا أَلقَوا سَحَروا أَعيُنَ النّاسِ وَاستَرهَبوهُم وَجاءوا بِسِحرٍ عَظيمٍ * وَأَوحَينا إِلى موسى أَن أَلقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلقَفُ ما يَأفِكونَ * فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ ما كانوا يَعمَلونَ * فَغُلِبوا هُنالِكَ وَانقَلَبوا صاغِرينَ * وَأُلقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدينَ)،[١٠] ومن المعجزات الأخرى التي أيّد الله بها موسى -عليه السلام-؛ إهلاك الله -عز وجل- لفرعون وقومه بالجدْب والنقص في الأموال، والثمرات، والأنفس، قال -تعالى-: (وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ)،[١١][١٢] وقال الضحّاك في تفسير دعاء موسى على قومه: (رَبَّنَا اطمِس عَلى أَموالِهِم)؛[١٣] أي أنّ الله -عزّ وجلّ- جعلها على صورتها ونقوشها إلا أنها أصبحت حجارة، وفسّر ابن زيد قوله -تعالى- أن الله حوّل كل أموالهم إلى حجارة؛ سواء الذهب، أو الدراهم، أو العدس والثمار، وكلّ شيء، وقال مجاهد وابن عبّاس -رحمهما الله- أن الله أهلك أموالهم.[١٤]
وباقي المعجزات التي أرسل الله -تعالى- بها موسى إلى فرعون هي؛ معجزة الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، قال الله -تعالى- في كتابه الحكيم: (فَأَرسَلنا عَلَيهِمُ الطّوفانَ وَالجَرادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاستَكبَروا وَكانوا قَومًا مُجرِمينَ)،[١٥] والطوفان هو مطرٌ غزيرٌ كثيرٌ يُتلف الزّرع والثّمَر، أما الجراد فقد دمّر ما لديهم من النّبات وأتلفه، ولم يُبقِ عندهم زرعاً ولا ثمراً، وفسّر ابن عباس -رحمه الله- القمل بالسُّوس الذي يَخرج من الحبوب، أو الجراد الصغير الذي لا يمتلك أجنحة، فيما رأى عبد الرحمن بن زيد أن القمل هو البراغيث، أمّا الضفادع فقد كانت أعدادها كثيرةً جداً، وصارت تتواجد في طعامهم وأوانيهم، حتى أنّ أحدَهم إذا أراد أن يأكل أو يشرب وفتح فمه؛ سقط فيه ضفدعاً، وآخر هذه الآيات الدّم، فقد امتزج الماء والنّهر بالدّماء.[١٦]
معجزات موسى عليه السلام لبني إسرائيل
أرسل الله -عزّ وجلّ- موسى -عليه السلام- بالعديد من المعجزات لبني إسرائيل، ومنحهم العديد من الكرامات على يد نبيّه موسى -عليه السلام-، إلا أنهم ظلموا أنفسهم بالمعاصي والذنوب وعدم شكر الله، ومن هذه المعجزات والأرزاق أنّ الله -تعالى- أوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه الأرض، وقد كان قوم بني إسرائيل تائهين عطشى، فخرج الماء من اثنَتيْ عشرة عيناً على عدد أسباط بني إسرائيل، فكان لكلّ سبطٍ منهم عيناً خاصةً به وبقومه حتى لا يقع الخلاف بينهم، وقد أنعم الله عليهم بأن أمر السّحاب أن تظلّهم حتى يستريحوا ولا يُصيبهم ضرراً من الحرارة المرتفعة،[١٧] فقال -عز وجل-: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)،[١٨] ومن النّعم والمعجزات في هذه الآية الكريمة؛ إنزال الله -تعالى- عليهم المنّ والسلوى، والمنّ على المشهور هو الترنجبين الذي يشبه الصمغ، ويحمل طعماً حلواً به حموضة، حيث كان الله -تعالى- ينزله عليهم كالنّدى من الفجر إلى طلوع الشمس، أو هو ما أنعم الله -تعالى- به عليهم من غير تعبٍ أو زرع، مثل نبات الكمأة الذي ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: (الْكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ الذي أنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ علَى بَنِي إسْرائِيلَ)،[١٩] أما السّلْوى فهو طائر السّماني أو طائرٌ آخر صغير يشبه السّماني، وقد كان هذا الطائر بنعمة الله وفضله يأتيهم بكرةً وعشيّة.[٢٠]
ومن المعجزات الأخرى التي أعطاها الله -عزّ وجلّ- لنبيّه موسى -عليه السلام-؛ معجزة شقّ البحر، وذلك عندما جمع فرعون جنوده حاملاً في قلبه العناد والتجبّر والقوة ليُلاحق موسى -عليه السلام- ومن آمن معه من بني إسرائيل، فوصلوا إلى البحر، وظنّ فرعون أنه سُيمسك بهم عنده، فضرب موسى بعصاه البحر؛ فانفلق بقدرة الله -عز وجل- وأمره، وأصبح لكلّ جماعةٍ من بني إسرائيل مسلكاً ينطلقون فيه، وقد أعمى الجبروت فرعون معتقداً أن الطريق سيكون مسلكاً له أيضاً، وعندما دخل مع جنوده أطبق عليهم البحر وأغرقهم، قال الله -سبحانه-: (فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ بِجُنودِهِ فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُم)،[٢١][٢٢] ومن المعجزات كذلك أن الله -سبحانه- أمر الجبل فانتُزِع من مكانه وأصبح فوق رؤوس قوم بني إسرائيل، فلمّا رأَوا ذلك خافوا وسجدوا سجدةً عفا الله بها عنهم، ففي كتاب الله -عز وجل- قال: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[٢٣] ويرى عطاء -رحمه الله- أن الجبل الذي رُفع فوقهم هو جبل الطّور.[٢٤]
المراجع
- ↑ سعيد القحطاني، كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 362، جزء ٢. بتصرّف.
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
ovDKruMM8M
- ↑ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 6، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 101.
- ↑ "آيات نبي الله موسى عليه السلام"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية: 31-32.
- ↑ عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 1196، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية: 17-21.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1421هـ)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 200. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 115-120.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 130.
- ↑ "معجزات سيدنا موسى"، www.al-eman.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية: 88.
- ↑ الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 180-181، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 133.
- ↑ سيد مبارك (2004)، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 73-74. بتصرّف.
- ↑ نعمة الله النخجواني (1999)، الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية (الطبعة الأولى)، مصر: دار ركابي، صفحة 271، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 57.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعيد بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2049، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين ( 1973)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)، مصر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 109، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية: 78.
- ↑ محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، مصر: دار الفكر العربي، صفحة 4759، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 171.
- ↑ السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 595، جزء 3. بتصرّف.