حكم مكبرات الصوت في المساجد

كتابة - آخر تحديث: ١٨:٢٧ ، ٦ أغسطس ٢٠٢٠
حكم مكبرات الصوت في المساجد

الغاية من استخدام مكبّرات الصوت في المساجد

استخدام مكبّرات الصوت في المساجد له ما يبرّره؛ حيث يعدّ إسماع المصلين ضرورةً لازمةً لسلامة أداء العبادة؛ فالمصلي يحتاج إلى تنبيه لإقامة الصلاة والاستواء فيها، وحاجته إلى متابعة الإمام وعدم استباقه في أداء أركان الصلاة أوجبُ وأهمّ، كما أنّ الحاجة واضحةٌ في ضرورة تبليغ جمهور المسلمين صوت الأذان وإعلامهم بدخول وقت الصلاة، فضلاً عن حاجة أهل المسجد لسماع ما يُقّدم من خطبٍ ومواعظ ودروس.[١]


حكم استخدام مكبّرات الصوت في المساجد

حكم مكبّرات الصوت في الأذان

اتفق أهل العلم على استحباب رفع الصوت عند الأذان؛ استدلالاً بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ المؤذِّنَ يُغفرُ لَه مدى صَوتِه ويُصَدِّقُه كلَ رطبٍ ويابسٍ سَمِعَهُ والشاهِدُ عليه خمسةُ وعشرين درجةً)،[٢] كما ثبت في صحيح البخاري أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أوْ بَادِيَتِكَ فأذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّدَاءِ، فإنَّهُ: لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولَا إنْسٌ، ولَا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيَامَةِ، قالَ أبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)،[٣] إضافةً إلى أنّ الأذان فيه إظهارٌ لشعار الإسلام، وبيانٌ له، ودعوةٌ إلى التوحيد، وأي وسيلةٍ تُحقّق ذلك المقصد لا حرج فيها، وتُشرَع دون إثمٍ أو بأسٍ، ومن ذلك استخدام مكبّرات الصوت،[٤] ولا يُمكن اعتبار استعمال مكبّرات الصوت بدعة، بل هو أمرٌ مطلوبٌ؛ إذ إنّ الهدف منه إسماع المسلمين الأذان،[٥] وتجدر الإشارة إلى أنّ كل وسيلة أو طريقة تُعين على أداء العبادة، وتؤدي إليها يُعدّ الأصل فيها الإباحة والجواز؛ إذ لا يُراد منها التعبّد.[٦]


حكم مكبّرات الصوت في الإقامة

يُباح استخدام مكبرات الصوت لإقامة الصلاة، بل قد يُعدّ من الأمور المطلوبة شرعاً، خاصةً إذا كان الإسماع لا يتحققّ بدونها؛ والهدف من ذلك تذكير المسلمين بوقت إقامة الصلاة، ويُسنّ أن يكون صوت الإقامة أخفض من صوت رفع الأذان؛ إذ إنّ الأذان لإعلام الغائبين، أمّا الإقامة فللحاضرين في المسجد.[٧]


حكم استخدام مكبّرات الصوت في الصلاة

لا حرج في استخدام مكبّرات الصوت داخل المسجد إن لم تُؤدِّ إلى إلحاق أيّ أذى بأحدٍ، ولم تشوّش على الآخرين، إذ قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أيُّها الناسُ إنَّ المُصلِّيَ إذا صلَّى فإنه يناجي ربَّه تباركَ وتعالى فلْيعلمْ بما يُناجيه ولا يجهرْ بعضُكم على بعضٍ)،[٨] ويُضاف إلى ما سبق إن كان استخدامها لمصلحةٍ ما؛ كجعل المُصلّين أكثر نشاطاً، وكذلك إن دعت الحاجة إلى استخدامها؛ كأن يكون المسجد كبيراً، أو أن يكون صوت الإمام منخفضاً بطبيعته، أمّا إن كانت مكبّرات الصوت تؤدي إلى التشويش وإلحاق الضرر بأهالي البيوت المجاورة للمسجد، أو المساجد الأخرى التي حوله، فلا يجوز استخدامها؛ لِما يترتّب على ذلك من إيذاء الناس، كما أنّه قد يؤدي إلى إخلالهم في صلاتهم.[٩]


حكم استخدام مكبّرات الصوت في خُطبة الجمعة

يُستحبّ للخطيب أن يرفع صوته في خُطبة الجمعة؛ لِما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ)،[١٠] وبذلك يُسمع الخطيب المسلمين ما يصدر منه، ويجذبهم إليه، وتجدر الإشارة إلى أنّ رفع الصوت المطلوب لا يصحّ أن يسبّب الإيذاء، بل يكون بدرجةٍ مُتوسّطةٍ دون مبالغةٍ، مع مراعاة المناسب.[١١]


مسائل متعلّقةٌ باستخدام مكبّرات الصوت في الأذان

حكم الالتفات في الأذان بوجود مكبّرات الصوت

يُراد بالالتفات في الأذان: أن يتوجّه المؤذّن يميناً ويساراً حين قوله: "حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح"؛ لإيصال صوت الأذان إلى الجميع، ودليل الالتفات ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بمَكَّةَ وهو بالأبْطَحِ في قُبَّةٍ له حَمْرَاءَ مِن أدَمٍ، قالَ: فَخَرَجَ بلَالٌ بوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَائِلٍ ونَاضِحٍ، قالَ: فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عليه حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أنْظُرُ إلى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قالَ: فَتَوَضَّأَ وأَذَّنَ بلَالٌ، قالَ: فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وهَا هُنَا يقولُ: يَمِينًا وشِمَالًا يقولُ: حَيَّ علَى الصَّلَاةِ حَيَّ علَى الفلاحِ)،[١٢] وقد شُرِع الالتفات قبل ظهور مكبّرات الصوت،[١٣] أمّا بعد وجودها؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ علّة الالتفات في الأذان مُنتفيَةٌ بوجود مكبرات الصوت؛ والحُكْم يسير مع العلّة نفياً وإثباتاً؛ فلا حاجة للالتفات في هذه الحالة، بينما ذهبت طائفة من أهل العلم إلى استحباب التفات المؤذّن مع وجود مكبّرات الصوت التزاماً بالسنّة الفعليّة.[١٤]


حكم التبليغ مع وجود مكبّرات الصوت

يُراد بالتبليغ: أن يرفع أحد المُصلّين صوته بترديد أقوالَ الإمام؛ ليُسمِع المُصلّين صوت الإمام وتكبيره إن كان الصوت ضعيفاً، أو كَثُر عدد المصلّين، أو تباعدت الصفوف، وقد ثبت في السنة النبويّة أنّ أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- بلّغ خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-،[١٥] حين مرضه؛ بسبب ضعف صوته، ولتحقُّق الحاجة بإسماع المُصلّين صوت الإمام، وبناءً على ذلك فلا يُشرَع التبليغ خلف الإمام إن لم تتحقّق حاجةٌ إلى ذلك، كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع العلماء على ذلك، وقال بكراهة التبليغ دون حاجةٍ.[١٦]


حكم الاقتداء بالإمام من خلال مكبّرات الصوت

لا حرج في اقتداء المصلّي بالإمام عن طريق مكبّرات الصوت إن كان يصلّي في الأدوار السفليّة أو العُلويّة للمسجد، ويُشترَط في المصلّي أن يكون داخلاً في الجماعة، ولا يجوز أن يصلّي المسلم خلف الإمام من خلال التلفاز، أو المذياع؛ ذلك أنّ الصفوف غير مُتَّصلةٍ، كما أنّ المُصلّي منقطع حقيقةً وعرفاً عن الإمام،[١٧] ويجب تتّبع الإمام في كلّ حركاته وانتقالاته، حتى وإن كان ذلك من خلال مكبّرات الصوت.[١٨]


حكم الجهر بالقرآن عبر مكبّرات الصوت

يتعلّق جواز حكم الجهر بالقرآن بعدم التشويش على الناس، أو إيذاء الآخرين؛ لما ثبت من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ألا إنَّ كلَّكم مُناجٍ ربَّه، فلا يُؤذِينَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعَنَّ بعضُكم على بعضٍ بالقراءةِ)،[١٩] وبناءً على ذلك يُنظر في أثر استخدام مكبّرات الصوت عند قراءة القرآن في الآخرين؛ فإن أدّت إلى الأذى أو التشويش على الآخرين؛ فلا يُلجأ إليها.[٢٠]


المراجع

  1. نور الدين الخادمي (1998)، الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضوابطه، مجالاته (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 115-116، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 14/40، إسناده صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 7548، صحيح.
  4. "رد شبهة أن استعمال مكبرات الصوت في الأذان بدعة"، www.islamweb.net/، 6-12-2008، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  5. محمد صالح المنجد (2009)، الإسلام سؤال وجواب، صفحة 1268، جزء 5. بتصرّف.
  6. محمد صلاح الإتربي (2012)، التروك النبوية «تأصيلا وتطبيقا» (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 375-376. بتصرّف.
  7. "إقامة الصلاة بمكبر الصوت أمر مطلوب شرعاً"، www.islamweb.net، 24-5-2004، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  8. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 9/3، إسناده حسن.
  9. "ما حكم استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية؟"، ar.islamway.net، 31-10-2007، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في الإمام مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 867، صحيح.
  11. "رفع الخطيب صوته مع وجود مكبر الصوت"، www.islamweb.net، 10-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن وهب بن عبد الله أبي جحيفة، الصفحة أو الرقم: 503، صحيح.
  13. "حكم التفات المؤذن في الميكروفون يمينا وشمالا عند الحيعلتين"، www.islamqa.info، 4-9-2010، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  14. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 44، جزء 9. بتصرّف.
  15. "حكم التبليغ في الصلاة خلف الإمام"، aoif.gov.sd/، 28-9-2004، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2020. بتصرّف.
  16. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن، صفحة 46-47، جزء 9. بتصرّف.
  17. مركز التميز البحثي (2014)، الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 118. بتصرّف.
  18. "اقتداء النساء بالإمام عن طريق مكبرات الصوت في مصلى بينه وبين الإمام شارع"، www.dar-alifta.org، 13-9-2004، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2020. بتصرّف.
  19. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 4/134، إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين.
  20. سعيد حوى (1994)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الأولى)، دمشق: دار السلام، صفحة 1625، جزء 4. بتصرّف.
831 مشاهدة