الوضوء
لقد اهتمَّ الإسلام بكل تفاصيل حياة الإنسان وضَمِنَ له حياةً مُستقرّةً هادئةً، وقدَّم له علاجاً لما يواجهه من أعباء الحياة وهمومها ومشاكلها، فعندما يذهب الإنسان للنّوم يكون مُحمَّلاً بأعباء نفسيّةٍ لما يُواجهه طيلة يومه من صعوبات الحياة، وكل ما يمرَّ بالإنسان في يومه يتفاعل عند نومه، وقد يُسبّب له أحلاماً مُزعجةً أو يمنعه من الاستقرار في نومه، لأجل ذلك جاء الهدي النبويّ ليأمرنا بتفريغ الشّحنات النفسيّة المُزعجة التي يتعرّض لها الإنسان قبل النّوم من خلال الوضوء والالتجاء إلى الله عزَّ وجلَّ، وذلك يُؤثّر إيجاباً على المسلم فينام نوماً هادئاً ويكون بحماية الله وحفظه، فينام قرير العين، هادئ البال، مُطمئنّاً آمناً، أمّا من نام بلا طهارةٍ أو وضوءٍ فإنه ينام وفكره مشغول وباله غير مُطمئنّ.
معنى الوضوء
الوضوء لغةً من الوضاءة، أي الحُسن والنَّظافة، والوَضوء (بالفتح): الماء الذي يُتَوَضأ به، وقيل المصدر (الوُضوء) بالضمّ.[١]
أما الوضوء في اصطلاح الفقهاء فقد عُرّف بعدّة تعريفات منها:
- عرّفه الشافعيّة بأنّه (استعمال الماء في أعضاءٍ مخصوصةٍ مُفتَتَحاً بالنِّيَة).[٢]
- عرَّفه الحنفيّة (الوضوء هو الغُسلُ والمَسْحُ على أعضاءٍ مَخصوصةٍ).[٣]
- عرّفه المالكيّة بأنَّه (تطهير أعضاءٍ مَخصوصةٍ بالماء لتُنَظَّف وتُحَسَّن وترفع حكم الحدث عنها، لتُستَباحُ بها العبادة الممنوعة من قبل).[٤]
- عرّفه الحنابلة بأنَّه (استِعمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الأَعضَاءِ الأَربَعَةِ؛ وَهِيَ الوَجهُ، وَاليَدَانِ، وَالرَّأسُ، وَالرِّجلَانِ عَلَى صِفَةٍ مَخصُوصَةٍ فِي الشَّرعِ، بِأَن يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً مَعَ بَاقِي الفُرُوضِ والشّروط).[٥]
حكم الوضوء قبل النّوم
اختلف الفقهاء في حكم الوضوء قبل النّوم؛ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة والشافعيّة (غير البغويّ) إلى أنَّ الوضوء قبل النّوم سُنّة، وقد استدلّوا على ما ذهبوا إليه بقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام: (إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثم اضطجع على شقّك الأيمن).[٦] وذهب المالكيّة إلى أنَّ الوضوء قبل النّوم مُستحبٌ.[٧]
فائدة الوضوء قبل النّوم
ذُكر للوضوء قبل النّوم عدّة فوائد يُشار إليها فيما يأتي:
- الوضوء قبل النّوم يجلب النّشاط ويُعين على الاستيقاظ باكراً: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ. قال: فَرَددْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لَا، وَنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ) [٨]
- في هذا الحديث النبويّ يُرغّب النبي عليه الصّلاة والسّلام أمّته في الوضوء قبل النّوم والدعاء بما ورد عنه، فيقول عليه الصّلاة والسّلام للبراء بن عازب: إذا أردت أن تذهب إلى نومك توضّأ قبل أن تذهب إلى فراشك وضوءاً كاملاً كما لو كنت تتوضأ للصَّلاة، حتّى تنام وأنت على طهارة تامّة، وليكن نومك على جنبك الأيمن؛ لأنّه يجلُب لك النّشاط والاكتفاء بالقليل من النّوم، ويُعينك على الاستيقاظ في آخر اللّيل، ولأنّه ينفع القلب لخفّته عليه، ثم أُدعُ الله وقل: (اللهم أسلمت وجهي إليك) أي: أسلمت روحي عند نومي، وأودعتها أمانة لديك، (وفوّضت أمري إليك) أي: توكّلت في جميع أموري عليك راجياً أن تكفيني كل شيء، وتحميني من كل سوء، و(ألجأت ظهري إليك) أي: تحصّنت بجوارك، ولجأت إلى حفظك، فاحرسنِي بعينك التي لا تنام، (رغبة ورهبة إليك) أي: فعلتُ ذلك كله طمعاً في رحمتك وخوفاً منك، فامنن عليّ برحمتك، وقِنِي عذابك (لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك) أي: فإنّه لا مفرّ منك إلاّ إليك، ولا ملاذ من عقوبتك إلاّ بالالتجاء إليك، (آمنت بكتابك الذي أنزلت) وهو القرآن الكريم (ونبيك الذي أرسلت) وهو محمد عليه الصّلاة والسّلام، فإن مِتَّ من ليلتك فأنت على الفطرة) أي: فإن متَّ في تلك اللّيلة التي نمت فيها على وضوء، ونمت على شقّك الأيمن، وتحصّنت فيها بهذا الذّكر فإنّك تموت على دين الإِسلام وسُنّة نبيه خير البشر.[٩]
- ولفضل الوضوء قبل النّوم وأهميّته جعل الإمام البخاريّ في صحيحه باباً ختم به كتاب الوضوء أسماه (بَاب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ).
- عندما يبيت الشّخص على طهارة يكون بعيداً عن تلاعب الشّيطان به أثناء نومه.
- الوضوء قبل النّوم يجعل المُسلم مُستعداً للقاء الله: يُعدُّ النّوم موتةً ُصغرى، ولا يدري المرء متى يحين أجله، يقول الله تعالى: (الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)،[١٠] فالنّوم يمكن أن يُطلَق عليه الموت مجازاً؛ لأنّ الرّوح تنقطع عن البدن، ولذا ينبغي أن يستعد الإنسان لذلك بالوضوء قبل النّوم.
- الوضوء قبل النّوم مَجلبةٌ للاستغفار: فإنّ من بات طاهراً بات معه ملكٌ يستغفر له، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (من بات طاهراً بات في شعاره ملك، فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنّه بات طاهراً).[١١]
المراجع
- ↑ زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (1999)، مختار الصحاح (الطبعة الخامسة)، بيروت: المكتبه العصرية، صفحة 340.
- ↑ محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا، نهاية الزين في إرشاد المبتدئين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 13.
- ↑ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي، مجد الدين أبو الفضل الحنفي (1937)، الاختيار لتعليل المختار، القاهرة: مطبعة الحلبي، صفحة 7، جزء 1.
- ↑ عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (2011)، التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 188، جزء 1.
- ↑ منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 82، جزء 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 6311، صحيح.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 322، جزء 43.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 6311، صحيح.
- ↑ حمزة محمد قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، سورية: مكتبة دار البيان ، صفحة 299، جزء 1.
- ↑ سورة الزمر، آية: 42.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1051، أخرجه في صحيحه.