نقدم لكم مجموعة من أجمل ما قام الشاعر معروف الرصافي بكتابته ، دعونا نقرأ هذه الأشعار سوية :
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا ، تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ ، وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
يا ساكناً وهو مشنوق على عمد ، لأنت أبلغ من نادى ومن خطبا
كم فيك يا ايها المصلوب من عبر ، للناس حيَّرن من أمْلى ومن كتبا
هل الدهر إلا أعجميّ أخاطبه ، فما لي إلى فهم الحديث أجاذبه
أيَثْني إلى وجه اللئيم بوجهه ، ويرتدّ مُزورّاً عن الحُرّ جانبه
من جور مصر على العروبة أنها ، تتعمّد التمصير في آدابها
وتحيد عن آداب كلّ قبيلة ، لم تنتحلها مصر في أنسابها
هلمّ إلى ذوق طعم الأدب ، هلمّ إلى نيل أقصى الأرب
هلمّ إلى ذا الغناء الذي ، منيرة منه أتت بالعجب
أيّ مُضنَى يَمُدّها بالكتئاب ، أنّةً تترك الحشا في التهاب
يتشكّى والليلَ وحْف الاهاب ، ضمن بيت جثا على الأعقاب
طرب الشعر أن يكون نسيبا ، مذ أجالت لنا القوام الرطيبا
وتجلّت في مسرح الرقص حتى ، أرقصت بالغرام منّا القلوبا
سمعت شعراً للعندليب ، تلاه فوق الغصن الرطيب
إذ قال نفسي نفس رفيعه ، لم تهو إلا حسن الطبيعة
وقفت عليكنّ قلبي الذي ، يمرّ به الحبّ مرّ السحاب
ومنكنّ أحببت هاتي وذي ، وألفَيت عذباَ بكنّ العذاب
دع مزعج اللوم وخلِّ العتاب ، واسمع إلى الأمر العجيب العُجاب
من قِصّة واقصة غصّة ، تُضحك بل تدعو إلى الانتحاب
لقد جمع الشيخ هذي الكتب ، فأنقذها من أكفّ العطب
ورتّبها فهي معروضة ، لمن يتناولها من كتب
لمن تركت فنون العلم والأدب ، أما خشيت عليها من يد العطب
نلك المدارس قد أوحشتها فغدت ، خلواً من الدرس والطلاب والكتب
لعمرك أن قصر البحر قصرٌ ، به يسلو مواطنه الغريب
وتمتلئ العيون به ابتهاجاً ، إذا نظرت وتنشرح القلوب
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب ، وقبِّل غِرار السيف واسل هوى الكتب
ولا تغتر أن قيل عصر تمدُّن ، فإن الذي قالوه من أكذب الكذب
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب ، تريش إلى قلبي سهام المعاطب
وربّ كعاب أقبلت في غلائل ، وقد لاح لي منها حليّ الترائب
وفدفدٍ قاتم الأعماق متسع ، طويت أجوازه طيّ المكاتيب
بتَومبيل جرى في الأرض منسرحاً ، كما جرى الماء من سفح الأهاضيب
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم ، إذ أكرهوك على الزواج بأشْيَبا
طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا ، بفضول هاتيك المطامع أشعبا
سر في حياتك سير نابه ، ولُم الزمان ولا تُحابه
وإذا حللتَ بموطنٍ ، فاجعل محلّك في هضابه
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب ، وحتّام نار البين في القلب تلهب
أبيتولي وجد يشبّ ضرامه ، ودمع له في عارضيّ تصّبب
جمالك يا وجه الفضاء عجيب ، وصدرك يأبى الانتهاء رحيب
وعينُك في أم النجوم كبيرةٌ ، تضيء على أن الضياء لهيب
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا ، فأرسلت دمعاً فاض وابله سكبا
وبتّ طريد النوم أختلس الكرى ، بشاخص طرفٍ في الدجى يرقب الشهبا
أتى من مصر طلعتها بن حرب ، فأهلاً بالمذلَل كل صعب
وأهلاً بالذي اتخذته مصر ، لدفع ملمّة ولقرع خطب
لا يبلُغ المرء منتهى أرَبه ، إلا بعلم يَجدّ في طلبه
فَأْوِ إلى ظلّه تعش رغَداً ، عيشاً أميناً من سوء مُنقلبَه
لهذا اليوم في التأريخ ذكر ، به الآناف يفغمهنّ طيب
ويحسن في المسامع منه صوت ، له تهتز بالطرب القلوب
حيَاكم الله أيها العرب ، فاستمعوا لي فقصّتي عجب
قد بِتّها ليلة مُطَّولة ، يَعقِد جَفني بنجمها الوَصَب
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا ، وأحمل منها بين جنبَيّ قاضِبا
تكلّفني أن أخبط الليل بالسُرى ، وأن أمتطي فيه من الهَول غاربا
أصبحت أوسعهم لوَماً وتثريبا ، لما امتطَوْا غارب الإفراط مركوبا
وألهبت منهم الأهواء جاريةً ، إلى التفرٌّق اُلْهْبا فألهوبا
منّي إلى مصر ذات المجد والحسب ، تحية ذات ود غير منقضب
تدلي به دجلة اللسناء عن مِقَةٍ ، منها إلى النيل ربّ الشعر والخطب
إليك ما شاهدت عيني من العجب ، في مسرح ماج بين الجدّ واللعب
خافوا به أن تقوم الأسد واثبةً ، حتى بنَوا حاجزاً فيه من الخشب
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت ، ببغداد أم المجد تبكي وتندب
ولا غروَ أن تبكيه إذ فقدت به ، نواطق أعمال عن المجد تعرب