غزوة بدر الكبرى
كانت غزوة بدرٍ من أوائل الوقائع التي حصلت بين المسلمين والمشركين بعد الهجرة النبويّة إلى المدينة المنوّرة، ولقد اضطر المسلمون للهجرة؛ بسبب ازدياد التّعذيب والاضطهاد الذي تعرّضوا له على أيدي المشركين، فكانت هجرتهم دون أن يأخذوا أيّ متاعٍ أو مالٍ أو رزقٍ؛ فكانت هذه إحدى أسباب وقوع غزوة بدر، حيث إنّ الباعث الأولى للغزوة لم يكن الغزو، بل كان بنيّة قطع طريق قافلةٍ تجاريّةٍ لأبي سفيان عائدة إلى مكّة، وقد كان للمسلمين حقٌّ فيها؛ لحالهم هذا بعد ظلم قريش لهم، ولا بدّ أنّ من أسباب حدوث غزوة بدرٍ كذلك؛ أنّ الحرب بين الحقّ والباطل مستمرّة إلى يوم القيامة لا تنتهي، بل تتوقّف حيناً ثمّ ما تلبث أن تشتعل شرارتها، وهذه سنّة الله تعالى في أرضه.[١]
وإنّ من الأمور التي تسبّبت في وقوع غزوة بدرٍ كذلك؛ موقع المسلمين في المدينة المنوّرة الماثل على خطّ تجارة قريش من مكّة إلى الشّام، فبهذا شعرت قريش أنّهم تحت تهديد المسلمين كلّما غدوا أو راحوا، وكذلك فإنّ استقرار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة ومدّ الأنصار له بالمعونة والنّصرة، أشعر قريشاً بالخوف والتّهديد؛ لكونه سيصبح قوّةً عظيمةً بعد ذلك، فكانت قريش ترْقبُ مكوث النبيّ في المدينة بعين الرّيبة؛ لما سيصل إليه من شأنٍ وغلبة، فكلّ هذه الأمور أسهمت في إشعال فتيلٍ القتال مع المشركين، ولم ينته حتّى فتح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مكّة المكرّمة بعد حين من الزّمن.[١]
توقيت وقوع غزوة بدر
وقعت غزوة بدرٍ في السّنة الثانية للهجرة، في شهر رمصان المبارك، وقد بدأت أحداثها حين علم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- باقتراب قافلةٍ لأبي سُفيان كانت متّجهةً إلى الشّام، فانتدب بعضاً من أصحابه؛ ليذهبوا ويستطلعوا أمرها، فوجدوا أنّ القافلة قد مرّت قبيل وصولهم، وبهذا أخّر الله تعالى قطع طريق القافلة لحكمته، لكنّ أبا سُفيان علم بما كان من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ احتياطه حين عودته فمرّ من طريقٍ آخر وهو متّجهٌ إلى مكّة، ولم يعلم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بهذا، بل انتظر موعد عودته وجهّز أصحابه مجدّدا وانطلق بهم وقد أرسل العيون تنتظره رغبةً في قطع طريقه هذه المرّة، لكنّه أدرك بعد حين أنّ القافلة فاتته مجدّداً.[٢]
وصلت أخبار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى قُريش، وبالرّغم من أنّ القافلة قد نجت من أيدي المسلمين، إلّا أنّ أبا جهلٍ رفض أن يمرّ هذا الأمر دون وقوع حربٍ؛ رغبةً في أن تكون نهاية المسلمين فيها، فجهّز جيشاً في نحو ألف مقاتلٍ، واستعدّ ليضرب بهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، ومشى فيهم حتّى وصل ماء بدرٍ بالعدوة القصوى من الوادي وراء كثيب الرمل، لكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تردّد في المُواجهة؛ لأنّه كان قد خرج وأصحابه مهيّئين لملاقاة قافلةٍ تجاريّةٍ لا لحربٍ، وهم قلّةٌ غير مجهّزين لها، فاستشار -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه، فلم يتردّد منهم أحدٌ أو ينثني عن ملاقاة العدوّ، وقد كانوا مهاجرين وأنصار رضي الله عنهم جميعاً، فسرّ رسول الله -عليه السّلام- برأيهم وقصد العدوّ وقتاله، فنزل بصحبه عند ماء بدرٍ في الوادي، حيث المكان الصالح عسكريّاً للقاء العدو في معركةٍ قتاليّةٍ، فبات الصّحابة ينتظرون أمر ملاقاة العدوّ.[٢]
شاءت حِكمة الله تعالى أن يلتقي الفريقان دون تخطيطٍ أو تدبيرٍ منهم، قال تعالى في سورة الأنفال:(إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)،[٣] فقد اقترب جيش المشركين من ماء بدرٍ دون أن يعلموا أنّ المسلمين قد اقتربوا منهم كذلك، وقد جاء نزول المسلمين خلف آبار الماء، فأشار الحباب بن المنذر -رضي الله عنه- على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن ينزلوا عند أدنى مكانٍ من ماء بدرٍ، فيبنوا عليه حوضاً ويطمسوا ما تبقّى من الآبار؛ فيشرب المسلمون ولا يشرب المشركون، وقد كان ذلك في ليلة السابع عشر من شهر رمضان، وفي الصّباح أقبل جيش المشركين وقد صعدوا الكثيّب الرمليّ الفاصل بينهم؛ رغبةً في ماء البئر فوجدوا المسلمين أمامهم، فأدرك الفريقان أنّ المواجهة قد حانت، فبدأ القتال بمبارزةٍ بين عددٍ من الفرسان كما جرت عادة الحروب، ثمّ التحم الصّفّان يضرب بعضهم بعضاً، حتّى فتح الله تعالى على عباده وأرسل معهم ملائكةً تضرب عدوّهم، فكان النّصر المؤزّر يومئذٍ للمسلمين بإذن الله تعالى.[٢]
معجزات في غزوة بدر
أكرم الله تعالى نبيّه وصحابته الكرام بعددٍ من المعجزات حصلت معهم يوم بدرٍ، وقد كان بعضها قبل المعركة وبعضها أثناء المعركة وبعضها بعد انتائها، ومن هذه المعجزات:[٤]
- إنزال المطر قبل وقوع المعركة بوقتٍ قليلٍ، وقد ذكر الله تعالى هطول المطر في كتابه الكريم، وذكر فائدته على المسلمين ومن ذلك: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)،[٥] فذكر الله تعالى لإنزال المطر أربعة أسبابٍ، هي: التطهير من الحدث، وإذهاب وسوسة الشيطان، وتثبيت القلوب، وتلبيد الأرض الرّملية في بدر لتثبت عليها أقدام المؤمنين في سيرهم.
- تقليل عدد كلّ جيشٍ في نظر الآخر، قال تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).[٦]
- إنزال ملائكةٍ تقاتل مع المسلمين حين التحمت الصّفوف، قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).[٧]
- سماع قتلى المشركين حديث الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعد المعركة، ففي الحديث الصّحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فجعَل يُناديهم بأسمائِهم وأسماءِ آبائِهم: يا فلانُ ابنَ فلانٍ أيسُرُّكم أنَّكم أطَعْتُم اللهَ ورسولَه فإنَّا قد وجَدْنا ما وعَدنا ربُّنا حقًّا فهل وجَدْتُم ما وعَد ربُّكم حقًّا"، فقال عمرُ بنُ الخطَّابِ رضوانُ اللهِ عليه: يا رسولَ اللهِ ما تُكلِّمُ مِن أجسادٍ لا أرواحَ لها؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "والَّذي نفسي بيدِه ما أنتم بأسمَعَ لِما أقولُ منهم".[٨]
المراجع
- ^ أ ب "أسباب غزوة بدر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-12. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "غزوة بدر الكبرى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-12. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 42.
- ↑ "معجزات ودروس غزوة بدر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-12. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 11.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 44.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 9.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي طلحة، الصفحة أو الرقم: 4778 ، صحيح.