الصحابة
الصحابيّ كلمةٌ مشتقّةٌ من الصحبة؛ بمعنى الرفقة، ويمكن القول إنّ الصحابيّ هو كلّ من قابل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن به، ثمّ مات على الإسلام، سواءً روى عنه أم لم يرو، أو قاتل معه أم لم يقاتل، أو طالت فترة لقائه بالرسول أم قصرت، حتى لو رآه من غير أن يُجالسه، أو جالسه ولم يره؛ بسبب علةٍ ما كحال الأعمى أو الأكمه، ومن الجدير بالذكر أنّ الإجماع انعقد على عدالة الصحابة رضي الله عنهم؛ فهم أصحاب السبق في الإسلام، وقد بذلوا الغالي والنفيس، وقدّموا أنفسم وأموالهم، وهاجروا تاركين أهلهم وأوطانهم في سبيل الله تعالى والدعوة الإسلاميّة، وهم خير البشر بعد الأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام، فقد زكّاهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين قال: (إن خيرَكم قرني، ثمّ الذين يلونَهم، ثمّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)،[١] وذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز حين قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)،[٢] وتجدر الإشارة إلى أنّ حُب الصحابة الكرام من غير إفراطٍ، وذكرهم بالخير، وعدم البراءة منهم، وبغض من يكرههم أو يذكرهم بغير الحقّ، كلّ ذلك من الدِّين والإيمان.[٣]
الأنصار في عهد الرسول
الأنصار هم الصحابة الكرام، الذين استقبلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمهاجرين -رضي الله عنهم- في المدينة المنورة بعدما هاجروا من مكّة إليهم، فنصروهم وأكرموهم، وآثروهم على أنفسم رغم ما بهم من ضيق الحال، وكانوا مثالاً يُقتدى في الكرم والإخاء وصدق المحبّة للنبي عليه الصّلاة والسّلام، كما قال تعالى عن الأنصار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛[٤] ولذلك رضي الله تعالى عنهم، وأخبرنا أنّهم من أهل الجنة، ومن أفضلهم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، والبراء بن معرور، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وأسعد بن زرارة، وأنس بن النضر، وجابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن حرام، وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، بالإضافة إلى ذلك، كان رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يُحبّهم حباً شديداً، حيث قال: (والَّذي نفسُ مُحمَّدٍ بيدِه لو أخَذ النَّاسُ واديًا وأخَذ الأنصارُ شِعْبًا لَأخَذْتُ شِعْبَ الأنصارِ، الأنصارُ كَرِشي وعَيْبَتي ولولا الهِجرةُ لكُنْتُ امرأً مِن الأنصارِ)،[٥][٦] وينقسم الأنصار إلى قبيلتين أساسيتين، هما: الأوس والخزرج، وكانوا يُسمّون ببني قَيله؛ وقَيلة هي الأمّ التي تجمع القبيلتين، سمّاهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأنصار؛ لأنّهم نصروه في الوقت الذي لم يجد فيه نصيراً، وكان إيواؤهم له سبباً لمعاداة العرب والعجم لهم، ولذلك جعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حبهم من الإيمان وبغضهم من النفاق، حيث قال رسول الله: (آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنصارِ).[٧][٨]
بيعة العقبة الأولى
كانت هذه البيعة المباركة نقطة التحوّل والنور الذي أضاء رُكام الظلمات، بعد أن لاقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الدعوة إلى الله تعالى أصناف الأذى والصد والإعراض، إذ إنّه -عليه الصلاة والسلام- قضى سنين طويلةً وهو يطوف على القبائل؛ ليلتمس الحليف والنصير، حتى جاء الموعد الذي أراد الله تعالى فيه نصرة دينه، وإعزاز نبيه، وكان ذلك الموعد في موسم الحج من العام الحادي عشر للبعثة؛ حيث التقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بستة أشخاص من أهل المدينة المنوّرة، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا، ولم يكتفوا بذلك؛ بل رجعوا إلى أهلهم مبلّغين دعوة الإسلام، حتى لم يبقَ بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ رجعوا في موسم الحج من العام الذي يليه، وهم اثنا عشر رجلاً، وكانوا اثنين من الأوس وعشرةً من الخزرج، فالتقوا برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمنى عند العقبة، وبايعوه هناك بيعة العقبة الأولى، وسُمّيت أيضاً ببيعة النساء، وكانت بنود بيعة العقبة كما وصفها الصحابيّ الأنصاريّ عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كما جاء في قول رسول الله: (بايِعوني على أن لا تُشرِكوا باللهِ شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزنوا، ولا تقتُلوا أولادَكم، ولا تأتوا ببُهتانٍ تفتَرونَه بينَ أيديكم وأرجُلِكم، ولا تَعصوا في معروفٍ، فمَن وفَّى منكم فأجرُه على اللهِ، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعوقِبَ في الدنيا فهو كفَّارةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره اللهُ، فأمرُه إلى اللهِ: إن شاء عاقَبَه وإن شاء عفا عنه)،[٩] فبايعوه على ذلك، ثمّ أرسل معهم مصعب بن عمير؛ ليعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، ويدعو إلى الإسلام في المدينة، وما أنّ نزل مصعب -رضي الله عنه- في بيت أسعد بن زرارة حتى اتخذه مقرّه، وبدأ يدعو الناس؛ فأسلم خلال أشهر قليلةٍ الكثير من الأنصار، ومن الذين أسلموا على يد مصعب في ذلك الوقت: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، ثمّ انتشر الإسلام في المدينة حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه مسلمون، وقبل موسم الحج من العام نفسه، عاد مصعب بن عمير -رضي الله عنه- إلى النبي عليه الصّلاة والسّلام؛ ليُبشره بما حصل معه في المدينة من إقبال الأنصار على الإسلام، وأنّه سيشهد في هذا العام ما يسُرّ قلبه ويُقرّ عينه.[١٠]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 2535، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 100.
- ↑ "وقفات منهجية تربوية - (3) تعريف الصحابي وفضل الصحابة "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 9.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7268، أخرجه في صحيحه.
- ↑ "من هم المهاجرون والأنصار"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 17، صحيح.
- ↑ "من أسباب محبة الله تعالى عبدا (الحب في الله وحب الأنصار) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 7213، صحيح.
- ↑ "الأنصار وبيعة العقبة الأولى"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2018. بتصرّف.