يمضي الإنسان حوالى ثلث عمره في النوم ( أي بمعدل ثمان ساعات في اليوم)، وتحدث في النوم تغيرات فسيولوجية و كيميائية معقدة للغاية، حولت النظرة العلمية للنوم من مرحلة سلبية خاملة إلى أخرى إيجابية نشطة ،أدت مع مرور الوقت و تطور علم النوم إلى اكتشاف العديد من الأمراض و الإضطرابات التي تصيب الإنسان اثناء النوم ، و التي لا يقتصر تأثيرها على الفرد ليلا بل يتجاوزه إلى التأثير سلبا على صحته و عطائه في النهار.
ومع ذلك يبقى السؤال الأهم والأعمق مطروحا لماذا ننام؟! وما الفائدة المرجوة من النوم؟؟لماذا نشعر باللّذة بعد قضاء نوم هادىء مثالي؟؟ولماذا يعد الحرمان من النوم من أقسى العقوبات الجسدية؟؟باختصار: ما الذي يؤديه النوم لنا؟ هذه بعض الأسئلة التي دارت و تدور في خلد العلماء، خاصة منذ بداية القرن العشرين، وتسارعت وتيرتها في الثلاثين سنة الماضية. والحق أنهم أبلوا بلاءا حسنا في وضع النظريات المفسرة لحاجة الإنسان للنوم، وجهدوا في فهم وظيفة النوم الفسيولوجية والنفسية. ومع ذلك فإننا لم نبلغ بعد إلى التفسير الأوضح والأوثق لوظيفة النوم في حياتنا.
في هذه العجالة، سنلقي الضوء على بعض النظريات المفسرة لوظيفة النوم، بتبسيط علمي ولغوي بيِن، أملا منا في توظيف فهمنا للنوم في فرض احترام هذا الجزء من حياتنا، والحرص على إعطائه حقه كاملا في دورة الحياة اليومية.
النظرية الأولى:أن النوم للراحة، وذلك باعتبار اليقظةحالة نشطة من العمل والتفكير والإنتاج البدني و الذهني، وبذا يكون النوم راحة للجسد من التعب اليومي، وتهيئة له كي يواصل السعي في نهار اليوم التالي. ويدعم هذا الرأي ملاحظة سهولة الدخول في النوم بعد قضاء نهار حافل بالنشاط البدني.
النظرية الثانية:أن النوم ضرورة لاصلاح الجسد و العقل، اعتمادا على الملاحظات الفردية والعلمية المثبتة عند حدوث نقص مزمن في عدد ساعات النوم. فقد أثبتت الدراسات ارتباط قلة ساعات النومبأمراض القلب و الشرايين، وأمراض السكري والسكتات الدماغية والإكتئاب. وفي التجارب على الفئران، لوحظ أن تعريضها لساعات نوم قليلة يؤدي إلى تباطؤ في شفاء الجروح وإلى موت مبكر مقارنة مع مثيلاتها ممن حظين بساعات نوم طبيعية. بل وأثبتت دراسات أخرى أن معدل انقسام الخلايا وبناء البروتين في الجسم يزداد في النوم عنه في اليقظة.
النظرية الثالثة:أن النوم ضروري لتطور الدماغ و الروابط العصبية و مراكز التعلم، وتأخذ هذه النظرية أهميتها من مشاهدات عدة، منها أن ساعات النوم عند الأطفال أعلى منها عند الكبار، مما يتيح لدماغ الطفل وقتا أطول كي ينمو ويتطور وظيفيا. كما أن دراسة الأشخاص بعد تعريضهم لقصر ساعات النوم توضح انخفاض قدرات الذاكرة والتركيز والقدرة على حل المسائل، وأن هذا التأثير السلبي يزول عند معاودة الحصول على ساعات كافية من النوم. وقد دلت دراسات أخرى أن النوم يعمل على تثبيت المعلومات المحصلة أثناء اليقظة في مركز الذاكرة طويلة الأمد في الدماغ.
النظرية الرابعة:أن النوم ضروري لحفظ طاقة الجسم، وهي مبنية أساسا على ملاحظة تزامن النوم مع انخفاض درجة حرارة الجسم مما يسمح للجسم أن يحتفظ بالطاقة المختزنة فيه وأن يخزن المزيد منها. ويوجد ما يؤيد هذه النظرية عند مقاربة النوم لحالة السبات الشتوي عند بعض الثديات بهدف حفظ الطاقة.
النظرية الخامسة:أن النوم مدخل الى الأحلام. وهي من اكثر النظريات دراسة وتمحيصا عند العلماء، وتعتمد في أساسها على كون النوم هو الوسيلة الطبيعية الوحيدة للوصول إلى مرحلة الحلم، وهي المرحلة الأعقد في دورة حياة الإنسان من حيث ماهيتها ووظيفتها وصعوبة دراستها، ومن حيث الغموض الذي يلفها من كونها مؤثرة أو متأثرة بحالة الإنسان اثناء اليقظة.ولأن فهم الأحلام قد يؤدي إلى فهم العربة الناقلة له وأعني النوم، فسنفرد لمحاولة فهم الأحلام مقالا في الأسابيع المقبلة إن شاء الله.
د. لؤي الحسيني