سورة الجاثية
سورة الجاثية سورةٌ مكيَّة، عدا الآية الرَّابعة عشرة منها فهي مدنيَّة، عدد آياتها سبع وثلاثون آية، نزلت بعد سورة الدُّخان، وهي السُّورة الخامسة والأربعون في ترتيب المصحف، وتقع في الجزء الخامس والعشرين منه، ولفظ الجاثية لغةً مشتقٌّ من جثا يجثو، جَثواً وجُثُوَّاً، فهو جاثٍ، وجثا الشَّخص أي جلس على ركبتيه، وسُمِّيت سورة الجاثية بهذا الاسم، بسبب ذكرها جُثوِّ الخلائق على الرُّكب في انتظار الحساب، لما يَلقونه من الأهوال في يوم الفَزَع الأكبر، وقد ذُكِر لَفظ الجاثية في الآية رقم من هذه السُّورة: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلىَ كِتَابِهَا اليَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 28 ]، ولسورة الجاثية أسماء أخرى مثل: سورة الشَّريعة، وسورة الدَّهر.
مواضيع السُّورة
تناولت سورة الجاثية كغيرها من السور المكيَّة مواضيع العقيدة، والإيمان بالله تعالى ونبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم والقرآن الكريم، والأدلًّة على وحدانية الله تعالى، وذكر الآخرة والبعث والجزاء، وفي ما يلي عرض لأهمِّ مواضيع هذه السِّورة:
- بدأت سورة الجاثية بالحديث عن الأدلَّة المبثوثة في الكون على وجوده تعالى؛ كخلق السَّماوات السَّبع، وخلق الأرض، وخلق النَّفس البشريَّة، وخلق الدواب وتنظيمه سبحانه لعالمها، وتعاقُب اللَّيل والنَّهارعلى هذه الأرض، وما ينزل من السَّماء من غيث يحيي به الله تعالى الأرض بعد موتها، وتصريف الرِّياح وتحريكها في هذا الكون، ومن هذه الرِّياح ما يكون للمطر، ومنها ما يكون للِّقاح، وفق النِّظام الدَّقيق في تصميم هذا الكون.
- ذكر جزاء من يرى الآيات السابقة في نفسه وفي الكون، ويسمع آيات الله وهي تتلى عليه، فيقابلها بالكفر والجحود، ويبقى مُصرَّاً على كفره وعناده، فجزاؤه هو جهنَّم وبئس المصير، ولا تغني عنه آلهته التي عبدها من دون الله تعالى شيئاً.
- التَّحدِّث عن النَّعم، وعن تسخير الكون وما فيه للإنسان؛ كتسخير السُّفن في البحر له، وتسخير ما في البحر له من أسماك وغيره، وتسخير الطّير، والجبال، والشَّمس، والقمر، والدَّواب، وجميع ما في السَّماوات والأرض لخدمة الإنسان الَّذي خلقه الله تعالى في هذا الكون.
- الحديث عن عدل الله تعالى في هذا الكون، وأنَّ الجزاء من جنس العمل، وأنَّ المؤمنين لا يتساوون مع الكافرين في الجزاء، وأنَّه سبحانه يجازي كلَّ إنسان بما فعل في هذه الحياة الدَّنيا.
- الحديث عن الدَّهريَّة من المشركين والكفَّار الذين أنكروا المعاد، والبعث والحساب، ويوم القيامة والحياة الآخرة، وأنَّهم هم الخاسرون يوم القيامة عند البعث من القبور، والحديث بعدها عن وصف المشهد يوم الحساب، حيث تجثو كلُّ الخلائق على ركبتيها لشدَّة الأهوال والفَزَع في هذا اليوم العظيم، الَّذي يُعرض فيه لكلِّ إنسان عمله في كتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها.
- الحديث عن جزاء العباد، فمن آمن بالله تعالى ورسله فستكون الجنّة جزاءه ومصيره، ومن كفر ففي جهنّم خالداً فيها، جزاءً له على نسيانه ومخالفته لأوامر الله تعالى، ثمَّ تنتهي السُّورة بحمد الله تعالى وتبجيله وتعظيمه حمداً يليق به سبحانه.
سبب نزول الآية الثالثة والعشرين
رُوي أنّ أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة فتحدَّثا في شأن النبي عليه السَّلام، فقال أبو جهل: والله إنِّي لأعلم إنَّه لصادق، فقال له : وما دلَّك على ذلك ؟ فقال : يا أبا عبد شمس كنَّا نسميه في صباه الصَّادق الأمين، فلما تمَّ عقله، وكَمُل رشده، نسمِّيه الكذَّاب الخائن، والله إنِّي لأعلم إنَّه لصادق، قال: فما يمنعك أن تصدِّقه وتؤمن به؟ قال: لا أحب أن تقول عنِّي بنات قريش أنِّي اتَّبَعْتُ يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللَّات والعُزَّى لا أتَّبعه أبدًا؛ فنزلت: (أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ على عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ)[الجاثية:23].