ما صفات عباد الرحمن

كتابة - آخر تحديث: ٢٠:٣٧ ، ١ أغسطس ٢٠١٦
ما صفات عباد الرحمن

عباد الرحمن

العبد إمّا يكون عبداً لله عزّ وجل الذي خلقه وأكرمه، وإمّا يكون عبداً لشهواته وللشيطان الرجيم وللطاغوت، وشتّان ما بينهما، وإذا أمعنّا النّظر في سلوك وأخلاق كلٍ منهما لاستطعنا التعرّف على أهم صفاتهما، فعباد الرّحمن هم عباد الله الصّالحين الذين يتّصفون بطهارة القلب واستقامة اللّسان، والصّادقين في القول والعمل، والذين يُؤثِرون النّاس على أنفسهم ويسعون في تقديم الخير، ويترفّعون عن سفاهات الأمور، أمّا عباد الشيطان فيتّصفون بالظّلم، والأنانيّة، والتكبّر، والقسوة، والغِلظة، وفُحش اللّسان.[١]


صفات عباد الرحمن

حدّدت طليعة سورة المؤمنون ونهاية سورة الفرقان أهم الصّفات العظيمة التي يتحلّى بها عباد الله الصالحون، واستحقّوا بأعمالهم واستقامتهم تشريفهم ونسبهم للرّحمن، فهم خلاصة البشرية في سبيل جهاد النفس الطّويل بين الحقّ والباطل، وهم نموذج واقعيّ ومثال للمسلم الذي ينشأ على نهج الإسلام الصّحيح، وبالتّالي يستحقّ ولاية ورعاية الله عز وجل، وأهم صفات عباد الرّحمن التي وردت في سورة الفرقان بقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا* إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا* وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا* وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا *وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا* وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا* وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا* أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا* خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا*).[٢]. فيما يأتي الصفات التي حثّت عليها الآيات الكريمة:[٣]

  • التّواضع في المشي: هذه الصفة الأولى لصفات عباد الرحمن، يمشون على الأرض بتواضع دون تكلّف، ولا تصنُّع ولا خيلاء، فتظهر نفسهم المطمئنة الساكنة من خلال مشيهم الوقور الساكن والقوي بالوقت ذاته، دون تذلل أو انكسار أو تنكيس الرؤوس.
  • الترفّع عن السّفاهات: هذه الصّفة الثانية لعباد الرّحمن، فهم يترفعون عن سفاهة الحمقى وجدالهم والعراك معم ليس عجزاً أو ضُعفاً، بل لأنّ لديهم أهداف واهتمامات كبيرة تشغلهم عن الخوض في سفاهات الأمور، ولا يُضيعون وقتهم الثّمين في الجدال، وأيضاً يصفحون ويعفون عن الإساءة ويدفعون السيئة بالحسنة.
  • قيام الليل والتهجّد والدّعاء: هنا تصف الآيات ليل هؤلاء الصالحين الأتقياء، فهم يقضون ليلهم بالصلاة، ومحاسبة النفس ومراقبة الله في أعمالهم، والتضرّع إلى الله عز وجل بأن يقيهم عذاب النار، كما وتُعبّر الآيات عن خوفهم وفزعهم من النار، وقدرة تصورهم للنار وسوء العاقبة.
  • الاعتدال في الإنفاق: تُشير الآيات إلى صفة أخرى مُهمّة لصفات عباد الرحمن يسعى الإسلام لغرسها وتطبيقها في المجتمع؛ لما لها أثر على التوازن والعدل بين أفراد المجتمع، هذه الصفة هي التوسط والاقتصاد في الإنفاق، فالمسلم مُلزم بالتوسّط بين الإسراف والتقتير، فلا يحبس ماله عنه ولا ينتفع به، ولا يُسرف بغير حساب، حتى لو كان يملك المال الكثير فهو مُقيد في طرق إنفاق ماله بالأوجه التي تُرضي الله عز وجل، وتقتضي نفع المجتمع، فالمال وُجد لتحقيق المصالح الاجتماعيّة، وإلا سوف يحدث خلل اقتصادي إذا تجاوز الأمر الإسراف والتقتير، كما أن الإسراف أحياناً يكون سبباً في فساد الأخلاق، وقسوة القلوب.
  • توحيد الله عز وجل: عباد الرحمن يخلِصون في عبوديتهم وتوحيدهم لله عز وجل، وهذه الصّفة هي أساس العقيدة السليمة، أهم ثمرات الإيمان وأعظمها وسبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة.
  • تجنّب قتل النفس: الإسلام شرّع الأنظمة التي تُهيئ حياة آمنة بعيدة عن المخاوف والمخاطر، وقدر واحترم حياة الإنسان، لهذا حرّم قتل النفس بغير الحق، وقتل النفس بالوجه الشرعي ورد في حالات معيّنة ذكرتها بعض الآيات والأحاديث النبويّة التي أوجبت القصاص، وعباد الرّحمن يبتعدون عن ظلم الناس وقتلهم وإنهاء حياتهم بدون وجه شرعي، وكذلك يتأنون في تطبيق أمر مثل هذا.
  • البعد عن الزنا: يُعتبر الزّنا من الكبائر، لما له من آثار وخيمة على الفرد والمجتمع، فهو سبب في فساد المجتمع واختلاط الأنساب والمسلم يسعى للحياة الطاهرة البعيدة عن المعاصي، وقد شرّع الله عزّ وجل الزّواج لتفريغ احتياجات النفس دون اللجوء إلى ارتكاب الزّنا، وحتى يشعر الإنسان بسموّه وارتفاعه عن باقي الكائنات الحيّة، وعباد الرحمن الطاهرون يتسمون بالبعد عن الزنا بكل أشكاله، وأيضاً البُعد عن السبل التي تؤدي إلى الزنا كالنظر إلى المُحرّمات، والاختلاط، وإضاعة الوقت في المُغريات، وقد أخبر الله عز وجل بالآية نفسها عقاب من يرتكب إثم الزنا وأوجب عليه العذاب، والإهانة، والخلود في النار يوم القيامة، إلا من تاب توبةً نصوحاً وأقلع عن ذنبه وحاولَ الإكثار من العمل الصالح فإنّ الله يغفر له، ويُكرمه، ويُبدّل سيئاته حسنات، ويُضيف حسنات إلى حسناته أيضاً، وهذا من فضل الله وكرمه وجوده على عباده.
  • الترفّع عن الظلم: هذه سمة أخرى لعباد الرحمن الصادقين الذين يترفعون عن قول الزّور، كظلم الناس بشهادة باطلة، أو الإعانة على الظلم، أو تضييع حقوق عباد، أو تغيير الظاهر بخلاف الباطن.
  • الترفّع عن اللغو: عباد الرحمن يترفعون ويصونون أنفسهم عن الخوض في لغو الكلام أو حتى سماعه، ويُكرمون أنفسهم بالترفّع عن هذه المجالس، ويُشغلون أنفسهم بما يُرضي الله عز وجل وينفعهم في الدنيا والآخرة.
  • التأثُّر بآيات الله عز وجل: يخشع عباد الرحمن المبصرون عند سماع آيات القرآن الكريم، ويتفاعلون معها كما وجب الله عز وجل، ويدركون المغزى منها، فلا يدعون الآيات تمر عليهم دون تدبُر أو تفكُر، أو عمل فيطبقون ما أتى به القرآن، ويتجنبون ما نهى عنه، وهذا يُخالف حال الكافرين الذين يتجاهلون آيات الله عز وجل كأنهم صُم، وبُكم وعُميان.
  • الدعاء بالذريّة الصالحة والتقوى: يتمنّى عباد الرحمن المتّقون أن يرزقهم الله عز وجل الذريّة الصالحة لتطمئن نفوسهم بها، ويزيد عدد المؤمنين السالكين درب الله، وأيضاً يدعون بأن يكونوا قدوة وإماماً للخير.


جزاء عباد الرحمن

خُتمت الآيات بجزاء عباد الرّحمن وهو الجنة، وخصصت مكاناً مُحدداً لهم بالجنة يُدعى الغرفة، وهو مكان لائق حسن بهم، جزاء صبرهم على شهوات النفس وجهادهم على مُقاومة المغريات، وتقواهم ومخافة الله في عواقب الأمور، ووصف حال عباد الرّحمن في الجنة وهم يُلقون التحيّة والسلام على بعضهم.


المراجع

  1. د.راتب النابلسي (16-6-1989)، "التفسير المطول لسورة الفرقان"، موسوعة النابلسي الإسلاميّة، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2016. بتصرّف.
  2. سورة الفرقان، آية: 63-76.
  3. سيّد قطب، في ظلال القرآن (الطبعة السابعة عشر)، بيروت: دار الشروق، صفحة 2543-2582، جزء الخامس. بتصرّف.
2,137 مشاهدة