أول من صنع الدروع

كتابة - آخر تحديث: ٩:٥٨ ، ٢١ نوفمبر ٢٠١٨
أول من صنع الدروع

الدروع

الدِّرع لغة: هو قميص مصنوع من الحديد، يلبسه الأفراد؛ لحماية أنفسهم من السلاح، ودِرْع المرأة: هو قميصها الذي ترتديه في منزلها، أمّا دِرْع الحيوان: فهو الغطاء الذي يحمي جسده تماماً، كدرع السلحفاة، وهناك أيضاً الدروع البشريّة التي تُعرَف بأنّها عبارة عن المدنيّين الذين يتطوَّعون في محاولة وَقْف الحروب، ويُجمَع الدِّرع على أدرُع، ودُروع، وأدْراع،[١] أمّا الدِّرع في هذا المقال، فيُقصَد به اللباس الذي يرتديه الفرسان؛ للوقاية من السلاح في المعارك، حيث يُصنَع من حلقات الحديد التي تكون مُتشابكة مع بعضها البعض، كما أنّ الدرع يُصنَع من البرونز، والفولاذ، وجلود الحيوانات أيضاً.[٢]


أوّل من صَنَع الدروع

كان النبيُّ داوُد عليه السلام أوّل من صَنَع الدروع؛ حيث أوحى الله سبحانه وتعالى إليه بصناعة الدروع من الحديد؛ ليحميَ المقاتلين من أعدائهم، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الحديد في يد داوُد عليه السلام كالطِّين المبلول؛ ليَتحكَّم به، ويُشكِّله كيفما شاء، دون ضَرْبه، أو تعريضه للنار، أمّا ما رُوِي عن سبب صناعة داوُد عليه السلام للدروع، فهو أنّه قد خرج يوماً مُتنكِّراً؛ ليسأل في قومه عن سيرته، وعندها ظَهر له جبريل -عليه السلام- على هيئة رجل، فسأله عن نَفسِه، فقال له إنّه نِعم الرجل، إلّا أنّ هناك صِفة عليه أن يُبدِّلها، وهي أنّه يأكل من بيت مال المسلمين، والأَولى به أن يأكل من عَرَقه، وصُنْعه، وعندها سأل داوُد -عليه السلام- الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعل له صَنْعة يقتاتُ منها، وكانت هذه الصَّنْعة هي صناعة الدروع من الحديد.[٣]


وقد وردَ عن ابن شَوذب أنّ داوُد -عليه السلام- كان يصنعُ كلَّ يوم دِرعاً، ويبيعه بنحو ستّة آلاف درهم، كما رُوِيَ أيضاً أنّه كان يبيعُها بأربعة آلاف درهم، فيُنفِقُ منها على نفسه، وأهله، ويتصدَّق منها على الفقراء، والمحتاجين، ويجدر بالذِكر أنّ الدروع كانت قبل أن يصنعَها داوُد -عليه السلام- مصنوعة من الحراشف، حيث ذَكَر ابن عاشور أنّه ورد في الإصحاح السابع عشر من سِفْر صمويل الأوّل، أنّ جالوت بارزَ داوُد وهو يرتدي دِرعاً حرشفيّاً،[٣] كما وَردَت صناعة الدروع في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وعَلَّمناهُ صَنعَةَ لَبوسٍ لَكُم لِتُحصِنَكُم مِن بَأسِكُم فَهَل أَنتُم شاكِرونَ)،[٤] وهي الصَّنْعة التي علَّمها الله سبحانه وتعالى لداوُد -عليه السلام-، ويُقصَد باللبوس: الدروع التي صَنَعها وأَحكمَ صُنْعها؛ للوقاية من الحروب، والحماية من بَطْش الأعداء.[٥]


وقد أنعمَ الله سبحانه وتعالى على داوُد -عليه السلام- بنِعَمٍ عديدة تُميِّزه وتُقوِّيه في مُلكه وحُكْمه؛ حيث أعطاه القوّة العِلميّة: الشرعيّة، والمادّية، وعلَّمه منطقَ الطَّير، وتسبيح الجبال، وصناعة الدروع لتكون خفيفة ومتينة، وألانَ له الحديد، حيث جاء في قوله تعالى: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)،[٦] عِلماً بأنّ ممّا ساعده على صناعة الدروع؛ القوّة الجسميّة التي جعلته يتحكَّم في الحديد، ويُشكِّله بإرادة الله -عزّ وجلّ-، وقد وَرَد عن قتادة أنّ أوّل من صَنَع الدروع هو داوُد -عليه السلام-، حيث كانت من قَبله عبارة عن صفائح،[٧] وهنا يُمكِن القول بأنّ صناعة الدروع تُعتبَر من العِلم المادِّي الذي خصّ الله سبحانه وتعالى به النبيَّ داوُد -عليه السلام-؛ إذ لم يسبقْه أحد إليها.[٨]


تطوُّر الدروع

الدِّرع في القِدَم

ارتدى البدائِيُّون طبقات عِدَّة من جلود الحيوانات؛ بهدف تخفيف قوَّة الضربات المُوجَّهة إليهم بالفؤوس، أو الهراوات، كما حملت شعوب الحضارات القديمة، كالآشوريّين تُروساً، وارتَدَت خُوَذاً، ودروعاً مصنوعة من جلود الحيوانات المُقوَّاة بالبرونز، وارتدى الرومان، والإغريق من بَعدهم الخُوَذ، والدروع التي تُغطِّي الظهر، والصدر، حيث كانت تُعرَف باسم (لأَمَات)، بالإضافة إلى الدروع التي تحمي الساق، إذ كانوا يصنعونها من الفولاذ، والبرونز.[٢]


الدروع في العصور الوُسطى

بَلغَ استخدام الدروع أَوْجَهُ في القرن الثالث عشر الميلاديّ؛ حيث اخترع العرب دِرع الزرد الذي كان يَتكوَّن من حلقات صغيرة معدنيّة مُتداخلة ببعضها البعض، وكان هذا الدرع يُغطِّي جسم الفارس الذي يرتديه من أعلاه إلى أسفله،[٢] إضافة إلى أنّه كان مَرِناً، وعلى الرغم من ثِقَل وزنه، إلّا أنّه كان يسمح بحرِّية الحركة، ولا يُعِيق المقاتل أثناء القتال، كما ارتدى الصليبيُّون الخوذة المعدنيّة التي تُغطِّي الوجه بأكمله، حيث كانت المنطقة المكشوفة فقط هي منطقة العينين؛ وذلك للرؤية بوضوح، عِلماً بأنّ صناعة الدروع تطوَّرت وتعَدَّدت أنواعها، إذ صُنِعت الدروع المُصفَّحة في القرن الرابع عشر الميلاديّ؛ وهي دروع مصنوعة من الصلب الضَّخم، فقد كان الدرع المُصفَّح ثقيلاً جدّاً يصل وَزْنه إلى نحو 36كغم، كما أنّه كان يُسبِّب ارتفاعاً في درجة حرارة الجُنديّ، بالإضافة إلى أنّ ثمنه كان مُرتفعاً.[٢][٩]


أمّا الحاجة إلى صناعة الدرع المُصفَّح؛ فقد ظهرت نتيجةً لأنّ الجنود بدؤوا يَستخدمون أسلحة مُتقدِّمة، مثل: قوس النشّاب، ودبابيس الحرب، وقوس البُندق، والتي تخترق سهامُها دِرع الزرد العاديّ، ومع بداية القرن الخامس عشر، أصبحوا يَصنَعون من الدرع المُصفَّح بِذلات كاملة تُغطِّي الجسد كلَّه، بالإضافة إلى خوذات الرأس، وقفّازات اليدين، والأحذية المصنوعة من الصلب، كما كانت الخُيول تُغطَّى بالدروع أيضاً، وهنا يجدر بالذِّكر أنّ ثمن الحصان، والدروع الخاصّة به، وبالفارس، باهظة الثمن إلى درجة أنّه يُعادل ثَمَن مزرعة صغيرة، عِلماً بأنّ صُنّاع الدروع قد بدأوا يتفنَّنون في صناعة الدروع، ويُزيِّنون الدروع الخاصّة لمباريات الفروسيّة، والاستعراض.[٢][٩]


ومع تَقدُّم الوقت، وبداية الحروب المُسلَّحة التي تُستخدَم فيها البنادق، وغيرها، تَوجَّب على الدرع أن يكون ثقيلاً جدّاً؛ كي يُؤمِّن الحماية ضِدَّ الرصاص، إلى درجة أنّه لا يُمكِن ارتداؤه في القتال، ففي القرن السادس عشر، أصبح الفارس يرتدي الكوب فقط؛ وهو قِطَع معدنيّة مُتشابكة تحتوي على مفاصل، تُوضَع على رُكبتَي المقاتل، وكُوعَيْه، ولا تُعيقُ حركته أثناء القتال، وفي القرن السابع عشر، عَمد المقاتلون إلى ارتداء الخُوَذ، والصفائح؛ لحماية الصدر فقط؛ ولتسهيل الحركة بحرّية دون عوائق.[٢][٩]


الدروع في العَصر الحديث

في العَصر الحديث؛ أي منذ بداية القرن العشرين، أصبحت الخوذة هي الواقي الوحيد الذي يرتديه الجنود؛ فمع نهاية الحرب العالميّة الثانية، كان من النادر أن يرتديَ الجنديّ دِرعاً آخر غير الخوذة، إضافة إلى أنّ المهندسين عَمدوا إلى حماية السُّفُن، والقطارات بالدروع، واختُرعت الدبّابات، وظهرَت الدروع الخفيفة الواقية من الرصاص، والتي تكون مصنوعة من مادّة صناعيّة خفيفة الوزن، ومتينة في الوقت ذاته؛ لتحميَ من يرتديها في الحرب، ولم يَعُد يَقتصِر ارتداء الدروع على الجنود المُحاربين فحسب، بل أصبح بعض الأفراد يرتدونها أثناء ممارستهم لوظائفهم، ومن الأمثلة على ذلك رجال الشرطة الذين يرتدون الدروع المُضادَّة والواقية من الرصاص، والخُوَذ، ويحملون التروس أيضاً؛ لحماية أنفسهم من الأسلحة الخفيفة.[٢][٩]


واليوم يتمُّ تضمين السُّترات الواقية من الرصاص بلاطاتٍ أو صفائحَ من الخزف، تتمّ خياطتها مع النسيج نفسه، وعندما تصطدمُ الرصاصة بالبلاطة، فإنّها تُحطِّمها، الأمر الذي يُقلِّل من سرعتها، وعندها لا تخترق السُّترة الواقية، أمّا السُّترات الواقية التي لا تشتمل على هذه البلاطة، فتتمّ حياكتها من طبقات من القماش، مع طبقات من النايلون الثقيل، تماماً كاللحاف، وعندما تصطدم الرصاصة بالسترة، فإنّها تتشقَّق؛ بسبب طبقات النايلون، وحينئذٍ لا تقوى على اختراق السُّترة.[٩]


المراجع

  1. "تعريف و معنى درع في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-15. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ هيئة من المؤلفين (1999)، الموسوعة العربية العالمية (الطبعة الثانية)، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، صفحة 305-306، جزء 10 (ح-خ-ذ). بتصرّف.
  3. ^ أ ب د. نوار أحمد خان البغدادي ، الحرف والصناعات في القرآن الكريم، صفحة 522-523. بتصرّف.
  4. سورة الأنبياء، آية: 80.
  5. زيرفان قاسم أحمد البرواري، صيغ فعلة وفعلة وفعلة في القرآن الكريم ، صفحة 167. بتصرّف.
  6. سورة سبأ، آية: 10.
  7. عبدالله بن عبده نعمان العواضي (2015-12-9)، "نبي الله داود عليه السلام: سيرة وعبرة (1) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-14. بتصرّف.
  8. عبدالستار المرسومي (2015-4-22)، "داود عليه السلام .. النبي القائد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-14. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج بول أ. كوباسا، موسوعة الاختراعات والاكتشافات - الحرب، المملكة العربية السعودية: العبيكان للنشر والتوزيع، صفحة 16-17. بتصرّف.
1,474 مشاهدة