عباد الرحمن
كان صحابة النبي محمد عليه الصلاة والسلام أفضل الأجيال على الأطلاق بما توافر فيهم من الصفات والأخلاق الحسنة، وبما بذلوه في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد تجسدت في شخصيات هذا الجيل العظيم أروع المعاني، وأنبل القيم، فقد كانوا بحق عبادًا للرحمن في صلاتهم، ونسكهم، ومحياهم، وجهادهم، وتعاملهم مع بعضهم البعض، وقد انطبقت عليهم جميع الصفات والأخلاق الحسنة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه وتحديدًا في سورة المؤمنون، وسورة الرحمن، فما هي أبرز هذه الصفات والأمثلة عليها؟.
صفات عباد الرحمن في بعض الصحابة
- خلق التواضع: ففي قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان: 63]، ولو تأملنا سير الصحابة لوجدناهم مثالًا في هذا الخلق الكريم الراقي، ومن الأمثلة على ذلك الخلفاء الراشدون الذين كانوا خير الخلق بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى الرغم من توليهم للخلافة إلّا أنّ ذلك لم يبعث الزهو والعجب في نفوسهم، ومن الامثلة على ذلك:
- فأبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه كان قبل الخلافة يحلب لجيرانه غنمهم، حتّى إذا صار خليفة أصبح غادياً إلى السوق يبتغي رزق أهله، فقال ناسٌ من الحي الآن يمتنع أبو بكرٍ عمّا كان يقوم به، ولكن أبا بكر لم يفعل ذلك بل عاد لحلب غنم الحي كما كان ولم يتغير.
- وعمر الفاروق رضي الله عنه الذي كان يحمل قربة الماء على عاتقه حتّى يزيل الزهو من نفسه إذا ما جاءته الوفود يوماً طائعين.
- وعثمان ذو النورين رضي الله عنه فقد كان ينام وهو خليفةٌ في المسجد حتّى يُرى أثر الحصباء على جانبه.
- وعلي رضي الله عنه كان يشتري يوماً لحماً بدرهم ثمّ يضعها في ملحفته فيقول له الصحابة هلم نحمل عنك يا أمير المؤمنين، فيقول، صاحب العيال أحق أن يحمل.
- الوسطية في المنهج: فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقتدون برسول الله عليه الصلاة والسلام الذي كان يحب الوسطية في حياته فلا إسراف يصل بالإنسان إلى حدّ التبذير، ولا تقتير يهلك النفس ويعذبها، فقد تناهى إلى مسامع النبي الكريم يوماً أنّ نفراً من الصحابة قد نذروا أنفسهم للعبادة والانقطاع إليها فنهاهم عن ذلك مبيناً أنّه يصوم ويفطر، ويقوم ويرقد، ويتزوج النساء، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سمع حديثًا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يعده، أو يقصر دونه في منهجٍ يدلّ على وسطيّة الصحابة.
- البعد عن اللغو والإعراض عن الجاهلين: فقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم تركهم لفضول الكلام إلّا ما كان في كتاب الله تعالى، أو سنة نبيه أو ما يخص معيشتهم، ومن الأمثلة على ذلك أنّ رجلاً من الخوارج تلى وراء عليّ رضي الله عنه وهو يصلّي قوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، فردّ عليه عليّ بقوله تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم: 60].