مرت الدعوة الاسلامية في بدايتها بمراحل، حيث كان يتم البدء بكل مرحلة بناء على متطلبات الوقت ومقتضياته، فقد مرت الدعوة الإسلامية في ثلاثة مراحل أساسية المرحلة الأولى وهي مرحلة سرية الدعوة ودامت حوالي الثلاثة سنوات، ثم تلتها في السنة الرابعة للبعثة مرحلة الدعوة الجهرية، ثم وبعد عشر سنوات تقريباً جاءت المرحلة الثالثة وهي مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية والهجرة، وكان تأسيسها في المدينة المنورة (يثرب) إيذانا بان عصر الإنتاج وعالمية الرسالة قد بدأ، فقد كانت المرحلة الثالثة هي المرحلة التي من خلالها استطاع الرسول ومن معه أن ينطلقوا إلى العالم أجمع الأقرب فالأقرب، فبوفاة الرسول الأعظم كان الإسلام قد انتشر في شبه الجزيرة العربية كلها إضافة إلى أن المرحلة الثانية قد تضمنت هجرة المسلمين إلى الحبشة هرباً بدينهم من بطش كفار قريش الذين أجرموا بحقهم ونكلوا بهم.
بدأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالدعوة العلنية عندما نزلت عليه الآية الكريمة (واصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) حيث كانت هذه الآية بمثابة إعلان لأن هذا الدين الحق سيدوي في العالم، وانه مهما كان الطريق مظلماً إلا أن النهاية جميلة مشرقة، وفعلاً هذا ما قد كان، فقد كانت الدعوة في بدايتها سرية لتأسيس أكبر قاعدة شعبية سراً لهذا الدين تستطيع أن تدافع عن فكرة نشره عندما تتحول إلى العلنية، فأسس الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لجيل من الصحابة الكرام اكتسح الإسلام بهم الدنيا، وحملوا هذه الرسالة على أعتاقهم، وكانوا خير مبلغ، فهم لم يتربوا على يد إنسان عادي بسيط، بل تربوا على يد معلم البشرية الخير والحق والهداية، فأعظم عقول العالم عندما تسمع اسم النبي محمد، يتوقف تفكيرها عن العمل، وتدخل في مرحلة السكون، نظراً لأن إنجازات النبي محمد وصفاته تفوق الحد ولا يستطيع العقل تصورها، أما عقول المسلمين اليوم للأسف الشديد، والتي لا تقدر أي شئ حتى أنها لا تقدر نبيها، إذ أن كل القصص العظيمة أصبحت مسلمات بالنسبة لنا لا نستطيع ان نفكر فيها ولا نضعها في المنزلة التي تستحقها، أما من له عقل عظيم، سيذهل فور سماعه قصة وصفات كالتي انضوت عليها شخصية الرسول الكريم.
فالجهر في الدعوة ضروري حتى تنتشر الرسالة، إذ أن الرسالة بدون نشرها وإذا بقيت محصورة في فئة ضيقة فلن تستطيع أن تبلغ غايتها المنشودة وهي العالمية، فالرسالة الإسلامية المحمدية والفكرة التي آمن بها الرسول الأعظم لم تكن حصراً على أشخاص معينين بل هي للناس كافة.